من أصول أحاديث الأحكام التي يدور عليها البحث الفقهي، والاستنباط لكثير من الفروع والمسائل، أحاديث البيوع المنهي عنها، ففي السنة جملة من هذه الأحاديث الدائرة على ألسنة الفقهاء وتصانيفهم.
فمن هذه الأحاديث ما جاءت تنهى عن بيع أعيان بذاتها: كالنهي عن بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ففي الصحيحين عن جابر -رضي الله عنه-: أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عام الفتح: «إن الله ورسوله حرم بيع الخمر، والميتة، والخنزير ، والأصنام ».
وحديث النهي عن بيع الدم والكلب كما في البخاري: عن أبي جحيفة قال: «نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ثمن الكلب وثمن الدم».
وحديث النهي عن بيع الحر من بني الإنسان، ورد في البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : « ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعط أجره» وغير ذلك من الأعيان التي نُهي عن بيعها.
ومنها أحاديث تنهى عن بيوع لاشتمالها على الغرر والتدليس: كبيع حَبَل الحَبَلة، والمضامين والملاقيح، والملامسة والمنابذة، وبيع الحصاة، وبيع اللبن في الضرع، والصوف على الظهر، والسمك في الماء، وبيع ما لم يبدو صلاحه.
فبيع حبل الحبلة ورد فيه حديث في الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع حبل الحبلة، ومعناه: بيع ما في بطن الناقة، وهو معدوم مجهول، أو تعليق البيع بأجل مجهول، بأن يبيعه بثمن مؤجل إلى وضع نتاج الناقة، فهذان تفسيران مذكوران للحديث، وعلى كلٍ فقد نُهي عنه لما فيه من الضرر الكبير والغرر.
وحديث النهي عن بيع الملاقيح والمضامين، جاء في مسند البزار وغيره عَن أبي هُرَيرة –رضي الله عنه- أن النَّبِيّ -صَلَّى الله عَلَيه وَسَلَّم- نهى عن الملاقيح والمضامين وحَبَل الحَبَلَة، والمضامين: بيع الأجنة في البطون، والملاقيح: قيل الأجنة كالمضامين، وقيل: مفرده لقاح، وهو: ماء الفحل في ظهره، ويحصل في كليهما غرر غير مغتفر.
وحديث النهي عن بيع الملامسة والمنابذة، جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الملامسة والمنابذة، وقد جاء تفسيرهما في البخاري عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- بقوله:«والمنابذة وهي: طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه، أو ينظر إليه ونهى، والملامسة: لمس الثوب لا ينظر إليه».
وحديث النهي عن بيع اللبن في الضرع، والصوف على الظهر، روى الطبراني والبيهقي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع ثمرة حتى تطعم، ولا يباع صوف على ظهر، ولا لبن في ضرع» رواه الطبراني في الأوسط، و الدار قطني ، وأخرجه أبو داود في المراسيل لـ عكرمة ، وأخرجه أيضاً موقوفاً على ابن عباس بإسناد قوي، ورجحه البيهقي.
ومنها بيوع نُهي عنها لاشتمالها على شروط مضافةٍ إليها، كالنهي عن بيع وسلف والنهي عن بيعتين في بيعة وهي: أن يقول أحد المتبايعين للآخر: خذ هذه السلعة بعشرة نقداً وآخذها منك بعشرين نسيئة، وهي "مسألة العينة" بعينها ففي صحيح ابن حبان عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أنه نهى عن بيعتين في بيعة».
ومنها بيوع نهي عنها لاشتمالها على الربا كحديث رواه الإمام مسلم عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيدٍ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء».
وحديث النهي عن المزابنة التي هي بيع المعلوم بالمجهول من جنسه، لما في هذا البيع من الضرر، ولما فيه من الجهالة بتساوي المبيعين المفضية إلى الربا فعن عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المزابنة»، وهي: أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلا بتمر كيلا، وإن كان كرما أن يبيعه بزبيب كيلا ، وإن كان زرعا أن يبيعه بكيل طعاما ، نهى عن ذلك كله.
فهذه جملة من أحاديث الأحكام التي تعتبر أصولاً يدور عليها البحث في كتب الفقه وأهم أبواب المعاملات، وقد قاس عليها أهل العلم مسائل كثيرة، وفروع مستجدة في بيوع منهي عنها لاتحاد العلة بين المنصوص عليه والمسكوت عنه من البيوع التي جدَّت وتنوعت.