السنة النبوية مصدرٌ أصيلٌ من مصادر هذا الدين، وهي واجبة الاتباع، وحجيتها ثابتةٌ في كثير من آيات القرآن الكريم، قال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر: 7] وقد جاءت أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم لبيان معاني كتاب الله تعالى، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قال سبحانه: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل: 44] وقد أمرنا الله جل وعلا بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحذرنا من معصيته ومخالفة أمره، فقال سبحانه: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63] ولما كان للسنة النبوية هذه المكانة العظمى، عرف لها العلماءُ السابقون قدرها ومكانتها، فرعوها حق رعايتها، وحفظوها في الصدور، وتمسكوا بها، وساروا على نهجها، وسخروا حياتهم وأوقاتهم في خدمتها والدفاع عنها، واهتموا أعظم اهتمام؛ فمنهم من اهتم بالجمع والتدوين، ومنهم من اهتم بشرحها واستنباط ما فيها من أحكام، ومن جميع تلك الجهود تشكل تراثنا الإسلامي، منذ عهد الصحابة والتابعين إلى يومنا الحاضر.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام أن المبشرين والمستشرقين في هذا الوقت على وجه الخصوص، وفي كل وقت، كانوا وما زالوا يعملون ما بوسعهم ويحرصون كل الحرص لصد الناس عن دينهم وإبعادهم عن الإيمان، من خلال دراسة هذا التراث الإسلامي العريق، ومحاولة التشكيك فيه، حيث أنشأوا لذلك المدارس والجامعات والمؤسسات ليبثوا من خلالها سمومهم وأحقادهم، فنراهم يزوِّرون التاريخ، ويطمسون الحقائق، ويقلبون الموازين، تحت غطاء البحث العلمي، ولم يقف الأمر عند هؤلاء الغرباء القادمين من خارج ديارنا، بل لقد انضم إليهم الكثير من أبناء جلدتنا، ممن يتكلمون لغتنا ويدينون ديننا من الذين تلقوا التربية والتعليم في مدارسهم وجامعاتهم، وانخرطوا في صفوفهم وأصبحوا أدوات مطيعة في أيدي أسيادهم من أتباع جولدتسيهر وشاخت وغيرهم.
فهؤلاء وأتباعهم امتداد لأولئك الغالين والمبطلين عبر التاريخ الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ) [البزار] وسيبقى جهابذة العلماء، العدول من أهل العلم والاختصاص، الصادقين والمخلصين منهم على وجه الخصوص، سيبقون في كل وقت وحين، وفي كل زمان ومكان واقفين لهؤلاء المبتورين (بكل أصنافهم وأشكالهم وامتداداتهم) بالمرصاد، ينفون عن هذا الدين كل أنواع التحريف والتزوير والانتحال إلى يوم الدين.
والاستشراق عمل متراكم، يدعم القائمون عليه أهداف وجهود تلك الدول العظمى التي كانت وما تزال تتعامل مع بلادنا الإسلامية كما يتعامل الأكلة على قصعة الطعام. والاستشراق أسلوب في التفكير ينبني على تفرقة أساسية بين الشرق والغرب، فالغربيون يعتبرون أنفسهم عقلانيين منطقيين، محبّين للسلام والعلم، بينما ينظرون إلى الشرقيين أنهم دون ذلك بكثير.
وفي هذا يقول الدكتور إدوارد سعيد: لقد استخدمت مصطلحات عديدة للتعبير عن هذه العلاقة، واستخدم بلفور وكرومر، كما يتوقع من مثلهما عدداً منها. فالشرقي لا عقلاني، فاسق طفولي (متخلف)، وبالمقابل فإن العقل الأوروبي عقلاني، متحلٍ بالفضائل، ناضج: (سوي).
والاستشراق كما يعرفه معجم لاروس الاستشراق هو: مجموعة المعارف المتعلقة بالشعوب الشرقية ولغاتها وتاريخها وحضارتها، والمستشرق هو من يقوم بدراسة الشرق، أو تدريسه، أو الكتابة عنه مهما كان تخصصه، وما يقوم به هو استشراق. إلا أن المفكر العربي إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق يقدم تعريفاً ثقافياً يجسّد حالة الاستشراق كمؤسسة مشتركة للتعامل مع الشرق، وأسلوب غربي للسيطرة عليه، وامتلاك خيراته وإخضاعه. ويضيف: إن الاستشراق هو أسلوب من الفكر القائم على تمييز وجودي ومعرفي بين الشرق والغرب، فهو مؤسسة مشتركة للتعامل مع الشرق بإصدار تقريرات حوله وإجازة الآراء فيه وإقرارها، وبوصفه وتدريسه والاستقرار فيه وحكمه: وبإيجاز نقول: الاستشراق أسلوب غربي للسيطرة على الشرق، وامتلاك السيادة عليه. ولا شك أن لتجربة إدوارد سعيد مكانتها وأهميتها في نقد الاستشراق، وقد ركزّ في نقده على جانب الارتباط بين الاستشراق وفكرة الهيمنة والسيطرة والتشويه.
ولا يمكن كذلك إغفال جهود فضيلة الدكتور مصطفى السباعي في بيان مفاسد الاستشراق وأهدافه، وهي جهود رائعة منه رحمه الله تعالى في نقد الاستشراق من خلال كتابه القيم الرائع (السنّة ومكانتها في التشريع الإسلامي) الذي اهتم فيه بنقد الكتابات الاستشراقية في مجال الحديث الشريف والفقه. فقد قام الدكتور السباعي بزيارة معاقلهم وجامعاتهم، وقام بمناقشتهم في كتاباتهم حول الإسلام. ولكن خطوات الدكتور السباعي لم تجد من يواصلها بطريقة منهجية علمية تقمع شبهاتهم، وانتقاداتهم ممن عرفهم عن قرب وعاش في بلادهم.
ويدخل في مجال نقد الاستشراق الرسائل العلمية التي أنجزت في الجامعات العربية والإسلامية المتعددة، وهي رسائل تحتاج إلى زيادة الاهتمام بها ونشرها أو نشر المتميز منها. يقول الدكتور محمود زقزوق: وهكذا يمكن القول: بأن الاستشراق - في دراسته للإسلام - ليس علماً بأي مقياس علمي، وإنما هو عبارة عن أيديولجية خاصة يراد من خلالها ترويج تصورات معينة عن الإسلام بصرف النظر عما إذا كانت هذه التصورات قائمة على حقائق، أو مرتكزة على أوهام وافتراءات.
إن الغرب حريص كل الحرص على معرفة الشرق وأحواله، ومقدراته، وثقافاته وتجاربه القديمة والحديثة، وهذا في حد ذاته اتجاه إيجابي يجب أن نقف عنده ونشجعه، لأنه حين يناقش قضايانا، وهو كما نظن سيكون أكثر حيادية منا في دراسة أنفسنا، فقد يناقشون أموراً نتجاهلها أو لا نجرؤ على الحديث عنها، ولكن لا بد أن نضيف إلى كل هذه الحيادية، إمكانية تدخل النية الخبيثة، وهي كما تقدم هدف من أهدافهم، ومسعى من مساعيهم، للوصول إلى ما يمكنهم من السيطرة على مقدرات وخيرات هذه الأمة، فلذا يجب علينا أن نكون في كامل الوعي لأفكارهم وأهدافهم، ونتعامل مع معطيات أعمالهم بما يضمن لنا حق الثبات، وعدم الذوبان أو الانخراط في مشاريعهم إن تبين لنا بعضاً من تلك الأهداف، والطريق الأسهل لضمان هذا الحق أن نحاول التعامل معهم بنفس المنهج الذي يتعاملون به معنا، وهو أن نبدأ نحن بدراسة الغرب كما يدرسنا لنصل إلى معرفته معرفة عميقة فيما يتعلق بتاريخه وحضارته، وأسباب نهضته، وطريقته في إدارة مجتمعه من حيث الوسائل والتخطيط.
وإن كان لا بد من تعريف جديد للاستشراق، فهو كل ما صدر ويصدر عن الغربيين من أوروبيين أو أمريكيين من دراسات أكاديمية تتناول قضايا المسلمين في العقيدة أو الشريعة أو الاجتماع أو الاقتصاد أو السياسة أو الفكر أو الفن وغير ذلك مما يتعلق بها من علوم وفنون، كما يلحق به في زماننا هذا ما تبثه وسائل الإعلام الغربية بأنواعها، تلفاز أو أفلام أو برامج أطفال من رسوم متحركة أو قنوات فضائية أو ما تنشره صحفهم أو مجلاتهم من كتابات تتناول المسلمين سواء كان بلغاتهم أو بلغتنا، لأن وسائل الإعلام الغربية يشترك فيها العديد من المتخصصين بأقلامهم وكتاباتهم التي تعد المصدر الذي يستقي منه الإعلاميون معلوماتهم، كما إن من الاستشراق ما يخفى علينا وهو ما يقرره الباحثون الغربيون والسياسيون في ندواتهم التي يعقدونها وتبقى بحوثها ونتائجها وتوصياتها سراً قاصراً عليهم.
ويلتحق بالاستشراق أيضاً جهود نصارى العرب من مارونيين وأقباط وغيرهم ممن ينظرون إلى المسلمين نفس تلك النظرة الغربية، حيث يتعاطفون معهم ويسهلون لهم مهماتهم في بلادنا. ويضاف إليهم أيضاً الباحثين الذين تلقوا معرفتهم بالإسلام عن طريق دراستهم في الجامعات الغربية، من العرب وغيرهم، فكلهم أتباع للاستشراق، يعملون بأهدافهم، ويتمنون ما يتمناه الغرب فيما يخص الإسلام والمسلمين.
هناك اتجاهان مختلفان فيما يتعلق بأهداف ومواقف المستشرقين قديما وحديثاً، وهذان الاتجاهان هما: الاتجاه المعتدل، وهذا طبعاً نسبياً بالمقارنة إلى الاتجاه الآخر، حيث نظروا إلى الإسلام بوصفه مهداً للعلوم الطبيعية، وخاصة في مجال الطب والفلسفة. والاتجاه المتشدد، وهو ما كان يتبع للكنيسة، أو لوزارات الخارجية في الدول الأجنبية، وهو اتجاه متطرف في أهدافه، وفي طريقته.
ويعتمد المستشرقون على تطبيق المقاييس المسيحية على الدين الإسلامي وعلى نبيِّه، فالمسيح عندهم هو أساس العقيدة، ولهذا تنسب المسيحية إليه، وقد طبَّق المستشرقون ذلك على الإسلام، واعتبروا أن محمداً يعني بالنسبة للمسلمين ما يعنيه المسيح بالنسبة للمسيحية؛ ولهذا أطلقوا على الإسلام اسم المذهب المحمدي، وقد يقصدون إعطاء الانطباع بأن الإسلام دين بشري من صنع محمد وليس من عند الله. وفي هذا يقول إدوارد سعيد: لقد كان أحد الضوابط المقيدة التي أثرت على المفكرين المسيحيين الذين حاولوا فهم الإسلام ينبع من عملية قاسية؛ ما دام المسيح هو أساس العقيدة المسيحية، ومن ثم إطلاق التسمية التماحكية (المحمدية) على الإسلام، والنعت الآلي (المنتحل) على محمد.
ومن يقرأ كتابات المستشرقين يجد بأنها في معظمها تفتقد إلى الموضوعية عند الحديث عن الإسلام، بينما لا يكون ذلك عند الحديث عن البوذية والهندوكية. فالإسلام فقط من بين كل هذه الديانات التي ظهرت في الشرق والغرب هو الذي يهاجم.
اتجاهات يمكن أن نعتبرها إيجابية في عمل المستشرقين: الاستشراق ليس سلباً كله، يجب أن ندرك أن المستشرقين حينما بدأوا في دراسة الحضارة الإسلامية بدأوا بهدف معرفة إنجازات هذه الأمة، فالمستشرقون درسوا الحضارة الإسلامية بهدف معرفة الإنجازات العظيمة التي حققتها هذه الحضارة في الرياضيات والطب والهندسة والفلك وفي غيرها، ولذلك عندما نقول إن المستشرقين بذلوا جهوداً في نفض الغبار عن الكثير من تراثنا فإننا نعني ما نقول وهذا من الإنصاف.
وما كنّا لنعرف الكثير من الكتب التراثية المهمة في التفسير وفي التاريخ إلاّ بتحقيقات المستشرقين، وعندما تدرس سير المستشرقين تدرك كم كان لديهم من الدأب والصبر والجلد والتحمل والغوص في الكتب، وإنفاق العمر بل إن بعضهم أنفق أمواله من أجل هذا العلم ولم يكن ليخدم إمبراطورية أو حكومة. وإنما كان مترهباً في محراب العلم. وقال عز وجل: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: 8] ومن ذلك على سبيل المثال أن مستشرقة كندية كانت تقدم بحثاً في مؤتمر عالمي في بودابست، حول المرأة وحقوقها المالية، فقالت: إن الإسلام أعطى المرأة حقوقاً لم تحصل عليها في الغرب حتى بعد منتصف القرن العشرين.
وقد اهتمت الدراسات الاستشراقية في بعض مراحلها الأولى بجمع المخطوطات الإسلامية ونقلها إلى الغـرب، والقيام بحفظها وفهرستها، وأحياناً تحقيق بعضها ونشره. وهي جهود تستحق الشكر والثناء، فقد جاب المستشرقون الغربيون قديماً الديار الإسلامية بحثاً عن المخطوطات، وكان الكثير من هذه المخطوطات عرضة للضياع والإهمال وحتى الامتهان حيث كان الجهل والتخلف متفشيين في البلاد العربية الإسلامية.
وفي القرن الـسابع عشر بدأ المستشرقون في جمع المخطوطات الإسلامية، وعندهم الكثير من الكتب النادرة، التي لا وجود لها عندنا الآن. مع ملاحظة إن كان هناك تجاوباً متبادلاً بين المستشرقين وأهل التنصير، والتحالف مستمر بينهما حتى العصر الحاضر. كما شهدت نهاية القرن السابع عشر اتجاهاً مختلفاً نحو الإسلام من حيث النظرة الموضوعية والتعاطف مع الإسلام، شجع هذا على ظهور النزعة العقلية الجديدة، التي بدأت تسود في هذا الوقت، والتي كانت تخالف الكنيسة.
بيد أنه يجب علينا أن لا نكتفي بالظاهر من أعمالهم، فيبغي علينا أن نعلم أنماط تلك المخطوطات التي اهتموا بها وقاموا بتحقيقها ونشرها؛ وهل كان تحقيقهم لهذه المخطوطات مبنياً على أساس علمي؟ هل اهتموا بتحقيق ما يظهر تفوق المسلمين ونبوغهم وعبقريتهم؟ الحقيقة التي لا بد من فهمها أنهم اهتموا بالمخطوطات التي تخدم أغراضهم؟ وكان من ضمن تلك المخطوطات التي أخرجها المستشرقون من المصادر الأساسية في التاريخ الإسلامي وفي العقيدة الإسلامية فهذا مما يشكرون عليه، ولكن بعضهم عن قصد أو عن غير قصد، كما كان يفعل المستشرق آرثر جيفري الذي اهتم بالمخطوطات المتعلقة بالقرآن الكريم فكـانت له أخطاؤه المتعمدة الفادحة في هذا المجال. كما بين الدكتور مصطفى السباعي وغيره.
إن معرفتنا ووعينا لأخطاء المستشرقين وتتبعنا لأهدافهم المشبوهة لا يمنعنا من الاعتراف لهم بجهودهم التي بذلوها في المحافظة على الكثير من المخطوطات التي كان من الممكن أن تضيع لولا هذه الجهود. وهم مع كامل إدراكنا أن ما قاموا به من أعمال كانوا يخدمون أهدافهم ويعملون لصالح بلادهم، فهذا أمر طبيعي موافق لطبيعة البشر.
عرض تاريخي لأهداف المستشرقين: لما هاجمت الجيوش الصليبية بلاد الإسلام، كانت مدفوعة إلى ذلك بدافعين: دافع الدين والعصبية العمياء التي أثارها رجال الكنيسة في شعوب أوروبا، ودافع سياسي استعماري، يقول الدكتور مصطفى السباعي: ومما ذكرته آنفاً وما دونته في مذكراتي عن المستشرقين الذين لقيتهم خلال تلك الرحلة، اتضحت لي الحقائق التالية: المستشرقون لا يخلو أحدهم من أن يكون قسيساً أو استعمارياً أو يهودياً، وقد يشذ عن ذلك أفراد، وأن الاستشراق في الدول الغربية غير الاستعمارية أضعف منه عند الدول الاستعمارية.
وهناك علاقة قوية بين الاستشراق والاستعمار تتجلى بعد الاستيلاء العسكري، والسياسي على بلاد المسلمين إلى أضعاف المفارقة الروحية والمعنوية، في نفوس المسلمين وتشكيل المسلمين في معتقداتهم وتراثهم حتى يتم الاستعمار في النهاية من إخضاع المسلمين إخضاعاً تماماً للحضارة والثقافة الغربية مع ملاحظة أن الهدف الديني كان وراء نشأة الاستشراق ودعم الدراسات العربية الإسلامية في أوروبا. وظل مصاحباً للاستشراق طوال مرحلة التاريخية، وكان الهدف الديني من الاستشراق يسير منذ البداية في اتجاهات ثلاث متوازية: محاربة الإسلام والبحث عن نقاط الضعف فيه، وحماية النصارى من خطره، والتبشير وتنصير المسلمين، بالإضافة إلى أهداف أخرى، منها: الأهداف العلمية، والتجارية، والسياسية، ونحو ذلك.
وتكاد دراسات المستشرقين تنحصر في الأهداف التالية:
- إفساد صورة الإسلام بطمس معالمه، وتشويه محاسنه، وتحريف حقائقه وتقديمه للعالم مهلهلاً متناقضاً.
- تشكيك المسلمين بدينهم، بإثارة الشبهات حول هدي الإسلام، ورسوله صلى الله عليه وسلملإضعاف صلتهم بهذا الدين العظيم وارتباطهم به.
- إحياء النعرات القبلية، والعصبيات المذهبية، والنزعات الطائفية، والعقائدية، وإثارة الخلافات لتفريق وحدة المسلمين، وإضعاف روح الإخاء الإسلامي بينهم، وإثارة اللهجات العامية بالتشكيك في مصادر اللغة العربية، فيشتت شملهم وتضعضع قوتهم.
- غرس المبادئ الغربية في نفوس أهل الإسلام، وتمجيدها، والعمل على إضعاف القيم الإسلامية، وتحقيرها، حتى يتم لهم إفساد أبناء المسلمين وتحللهم، حتى يتمكنوا من توجيههم لخدمة مصالحهم.
- إزالة الثقة بعلماء المسلمين وأعلام الأمة الإسلامية، لقطع الصلة بين المسلمين وماضيهم المجيد، وبالتالي تمجيد الشخصيات الغربية وتعظيمها، ليسهل التأثر والانقياد لهم.
- بعض المستشرقين المعتدلين قاموا بتحقيق بعض المصادر الإسلامية، وترجموا بعضها إثراء للجانب العلمي، ونشراً للتراث، مع وجود أخطاء في بعض تلك الدراسات، وكانت لبعضهم سلاحاً ذا حدين.
وقد استخدم المستشرقون كل وسيلة تمكنهم وتوصلهم إلى أهدافهم وغاياتهم، كتأليف الكتب، ونشرها، والبث الإعلامي بجميع أنواعه وألوانه، والتعليم في الجامعات، وعقد المؤتمرات العلمية والجمعيات وتقديم الخدمات الاجتماعية والإنسانية، وغير ذلك.
ونكتفي هنا في هذا المقال بذكر خلاصة رأي المستشرقين في السنة النبوية، والذي يمكن إجماله فيما يلي: استخدامهم للمنهج الاستدلالي لا المنهج الاستقرائي، أي تحكمهم في فهم النص على رغبتهم. وعنايتهم بالاتجاهات والأخبار التي تحقق مآربهم وأهدافهم، والتركيز على أحاديث معينة، وبراعتهم في المقارنات بين المذاهب والفرق الإسلامية، والدخول إلى التشكيك بالإسلام. واستخدامهم للطريقة النقدية أي: دراسة الحديث على أنه نص بشري. وعدم اعترافهم بصحة الأحاديث النبوية، إنما هي نتيجة للتطور الديني والسياسي، والاجتماعي. وتشكيكهم في ظاهرة الوحي، ومحاولة تفسيرها بما يتوافق مع المعطيات العلمية المحسوسة.