المرأة .. ذاك الكيان من المشاعر المتدفقة والأحاسيس المرهفة .. إنها الحبيبة والسكن والأم والحضن الدافئ والحنان المتدفق .. هي كل المعاني التي استحقتها الوصية النبوية المباركة في إجابتها الخالدة عن أحق الناس بحسن الصحبة: أمك ثم أمك ثم أمك.
شاعرية وتميز
مشاعر المرأة الجياشة مشاعر منضبطة لا تصل إلى حد السفه أو البلاهة، ففطرة الأنثى لا تخلو من لمحة قيادية تعقلية وإن لم تصل إلى مستوى الرجل الذي فضله الله بدرجة القوامة .. فالدراسات ترصد تميز المرأة في تعلم اللغات الأجنبية، وبراعتها في القيام بأكثر من مهمة في وقت واحد، ودقة ملاحظتها الأمر الذي يجعل الكذب عليها عسيرا، حيث وجد أن المرأة يمكنها ملاحظه 70% من تعابير الوجه, 20% من لغة الجسد, 10 % من حركة الشفاه. بل إن دقة ملاحظة المرأة تجعلها معنية بالتفاصيل لدرجة أنها قلما يفوتها نظرة خلسة من زوجها أثناء سيرهما في الطريق مهما كانت نظرته سريعة خاطفة.
ويقول علماء التشريح إن شبكات الاتصال في عقل المرأة أكثر من الرجل، وهذا يعني عمليا أن النساء أكثر تأثراً بالتجارب من الرجال، وأكثر احتفاظا بها وتذكرا لها. كما أن منظومة الألياف العصبية الواصلة بين نصفي الدماغ أكثف بنسبة 30% عند المرأة، مما يعني ترابط أكبر بين الخلايا العصبية، حيث أن النصف الأيسر من المخ معني بالتفكير المنطقي والتحليلي والرياضي والحسابي، في حين أن النصف الأيمن معني بالتفكير العاطفي الخيالي والإبداعي.
كما أن المرأة المشهورة بغلبة العاطفة نجدها عاطفة لا تخلو من الاتزان والتعقل حيث تتأثر النساء بحديث الرجال، بل وحتى بنغمات حديثهم، وسلوكهم الحميمي معهن أكثر من تأثرهن بمظهرهم، على العكس تماما من الرجال الذين تبدأ الاستثارة العاطفية عندهم بالمظهر، وانجذابهم لقسمات الجمال أكثر من انجذابهم للصفات الأخرى.
وشخصية المرأة شغوفة بالنجاح على كافة صوره ومظاهره .. النجاح في حياتها الأسرية عامة وحياتها الزوجية بالأخص ومجال عملها الخارجي، وهذا ما يفسر نجاحها في القيام بأدوار التربية وتحمل مشاغبات الصغار ومشاكساتهم في المراهقة وعنفوان الشباب. بل حب المرأة للمغامرة يفوق حب الرجل، لدرجة أنه إذا امتزجت روح المغامرة بالعاطفة ربما يقودها للتهور.
صمام الأمان
كل هذه المميزات المستورة بحائط المشاعر الأنثوية جعل من المرأة صمام أمان للحياة الأسرية باقتدار، فالزوجة التي تحسن توظيف هذه الملكات قادرة - بعون الله تعالى- على تنظيم حياة زوجها المبذر - مثلا- الذي لا يرى مستقبلا لحياته الأسرية، ولا يجاوز طموحه أرنبة أنفه، ويعيش كالقناص لشهواته ولذاته .. بحكمة الزوجة المحبة العاقلة تستطيع إذابة كل هذه التراكمات العالقة برغبات زوجها، فضلا عن قدرتها على رسم خطة لحياتهما الأسرية بشقيها الآني والبعيد المدى، انطلاقا من قناعتها بأن دوام الحال من المحال، وأن الأولاد كلما كبروا كبرت معهم احتياجاتهم ومشاكلهم، فالادخار سبيلها والأمن الاقتصادي قضيتها مهما وجدت من زوجها امتعاضا وضجرا إلا أن وقوفها بجواره وقت الشدائد كفيل بأن يعدل قناعته بأنها نعم الزوجة، ونعم العقل عقلها والتدبير تدبيرها.
وعلى وجه العموم فالزوجة المحبة العاقلة صمام أمان لاستقرار الأسرة وسعادتها، وعندها من الملكات والقدرات ما تواجه به مطبات الحياة الزوجية وكبواتها من زوج سلبي أو أناني أو منفلت أو عصبي .. كل هذا لأنها تتعامل مع هذه العثرات بحب وتعقل، وتقبل لعيوب الطرف الآخر تقبلا لا يثنيها عن المعالجة دون كلل أو ملل، تعرف متى تتجاهل، ومتى تراقب، ومتى تواجه.
والزوجة المحبة العاقلة نعم المربي وخير مدرسة تعد الرجال، ورغم أنها في عاطفة الأمومة كأي أم إلا أن تميزها في عقلها ورجاحة شخصيتها وتوازنهما مع عاطفة الأمومة، فلا تثنيها مشاعرها عن الحزم المطلوب، فالتربية الناجحة هي التي تدور بين الحب والحزم.
العقل المعرفي
لكن تبقى هذه المنظومة السلوكية الرائعة رهينة خلفية ثقافية علمية عن طبيعة الحياة الزوجية ومتطلبات الزوج والأولاد، فكما أن الإنسان بحاجة إلى همة فطرية ترقيه، فهو بحاجة أيضا لعلم يبصره ويهديه، خاصة وأن الحياة الزوجية تتطلب نوعاً من التكيف النفسي مع معطيات الأجواء الجديدة، وهذا يتطلب ابتداء تنازل كل من الطرفين عن جزء من نمط حياته قبل الزواج، وتنازل عن شطر من رغباته واعتبار أن سعادته جزء من سعادة أفراد الأسرة قاطبة.
كان المفكر الغربي جان جاك روسو يقول: "إن الرجل من صنع المرأة، فإذا أردتم رجالا عظماء أفاضل فعلموا المرأة معنى عظمة النفس ومعنى الفضيلة".
تعليم المرأة - والرجل أيضا- فنون ومهارات الحياة الزوجية باتت قضية ملحة تفقرها مناهجنا الدراسية والبرامج المعنية بالحياة الزوجية داخل مؤسسات الرعاية الاجتماعية.
وبدون العلم بأبجديات هذه الحياة لا يمكن ثقل المواهب الفطرية ولا ترشيد الرؤية والتصورات حول طبيعة هذه الحياة المقدسة، خاصة وأن كافة الدول المتقدمة صارت تولى اهتماما بالغا بهذا الأمر بعد طوفان التفكك الأسري الذي اجتاح حياتها الاجتماعية، وما خلفه من كوارث تنذر بانفصام عروة النسيج الاجتماعي كله.
ففي ماليزيا وصلت نسبة الطلاق في بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين نحو 32%؛ وهو ما اعتبرته الحكومة الماليزية مؤشرًا خطرًا على خطط النهضة والتنمية في البلاد، فقررت تطبيق فكرة «رخصة الزواج» كحل لتكوين ثقافة زوجية علمية لدى الشباب والفتيات المقبلين على الزواج.
وقامت الفكرة على أن كل متقدم للزواج لابد أن يقدم للقاضي الشرعي شهادة من وزارة الشئون الاجتماعية تفيد بأنه حصل على دورات في الحياة الزوجية والأسرية في نقاط محددة، مثل: أهداف الأسرة، والتخطيط للحياة الزوجية، وفهم نفسية الزوج أو الزوجة، وطرق زيادة حب كل طرف للطرف الآخر، وإدارة المشكلات الأسرية، والمسئوليات، والميزانية... إلخ. وبعد عشرة أعوام من تطبيق التجربة انخفضت نسبة الطلاق إلى نحو 7% فقط.
خصوبة فكرية
لا يفوتنا الإشارة إلى أن الزوجة المثقفة هي زوجة خصبة في أفكارها وأحاديثها وسلوكياتها وهذا كفيل بالقضاء على الملل الزوجي المستشري بالبيوت بعد السنة الأولى من الزواج غالبا، بل لا تجد في حياة هذا النوع من النساء مشاكل زوجية كالخرس الزوجي أو هروب الزوج من البيت ميمما وجهه شطر أصدقائه ومريديه أو على أضعف الأحوال إلى الإنترنت والكمبيوتر.
وعلى الصعيد التربوي يضمن التثقيف الفكري للزوجات وضعية متميزة في نفوس أبنائهن، عكس غالبية النساء اللائي ينظر إليهن الأبناء على أنهن من جيل عتيق، وهم من جيل الأيباد والإنترنت، فلا يقبلون منهن نصحا ولا يخضعون لهن في أي قرار أو أمر .. الثراء المعرفي للأم ضروري جدا في تعاملها مع أبناء يعيشون في عالم تتسارع وتيرته المعرفية والتكنولوجية، فالثقافة نضارة نفسية تحافظ على رمزية الأم كمحضن وملجأ وملاذ في كل الأزمات التي تعتري الأبناء، يجدون بجانب الدفء الأموي المشورة الواقعية والحلول العصرية لكل معضلة.
وما أغرب الدعوات الهدامة التي تسطح المرأة فكريا وعقليا كمن يروجون أن الرجل يخشى المرأة المثقفة وأن المنزلة العلمية للزوجة تؤرق الزوج وغيرها من خزعبلات شياطين الإنس الذين لا يرجون الخير للحصن الأسري ويتمنون تصدعه وانهياره .. فالزوج ينزعج من الزوجة المشاكسة لا المستنيرة، ويمتعض من الزوجة المملة لا المتألقة، ويسعد بالغ السعادة عندما يجد في أزماته نعم المشيرة والمعينة.
إن العقل المثقف خير تاج للأم العصرية، فهو الذي يضمن لها تألقها الأسري وسعادتها الزوجية وبريقها الروحي الذي لا تشوبه الأيام حتى لو بلغت من الكبر عتيا.
- الكاتب:
إسلام ويب ( د / خالد سعد النجار ) - التصنيف:
الأسرة اليوم