الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إنهم يحبون أن يروا...

إنهم يحبون أن يروا...

تتمتع (الفضيلة) بجاذبية وقوة هائلتين بسبب التواصي الأممي بالتمسك بها عبر القرون، ومن هنا فإن من الصعب على أيِّ جهة مهما كانت أن تشرِّع ـ على نحو سافر ـ للكذب أو الرشوة أو الظلم...

ويرافق هذا شيء آخر مهم، هو انقضاء عهود طرح النظريات الكبرى في الغرب والشرق على حدٍّ سواء، وصار مدار الأمل والعمل على استثمــار وتوظيــف ما هو متوفر من أفكار ورؤى ومنهجيات ومعطيات ناجزة في تحسين أوضاع البشر وحل مشكلاتهم.

بمعنى آخر: أن الناس قد شبعوا من ادِّعاء التفوق وادِّعاء الإصلاح وادِّعاء الإشفاق عليهم، وباتوا يبحثون عن شيء ملموس تراه أعينهم، وتقبض عليه أيديهم... وهذا في الحقيقة يشكِّل بالنسبة إلينا تحدِّياً، كما يشكِّل فرصة:

إنه يشكِّل تحدِّياً؛ لأن المزيد من الكلام حول امتلاكنا لأفضل منهجية لإصلاح العالم لم يعد جذاباً؛ حيث إن الناس يسمعون مثل هذا الكلام من جهات كثيرة وهم يتطلعون الآن للبرهان العملي.
أمَّا أنه فرصة فلأنه يحرِّضنا على أن نبذل كل جهد ممكن في سبيل جعل مبادئنا وقيمنا تتجسد في بُنى ونماذج ونُظم ومعطيات تبرهن على عظمة ديننا وصواب منهجنا.

أخلاقيات إسلامية
والذي أودُّ أن أشير إليه ابتداء أن العالم يتجه نحو تلمُّس ما يحقق المصالح، ويدرأ المفاسد؛ بقطع النظر عن الدين أو الفلسفة أو المذهب الذي ينحدر منه، فالشرود عن منهج الله ـ تعالى ـ جعل البشر أشبه بالغرقى الذين يريدون أي شيء يمتد إليهم حتى ينقذهم من الغرق؛ بقطع النظر عن الجهة التي تمدُّ ذلك الشيء.

في إحدى الدول الغربية رأى شاب مسلم جارته النصرانية الطاعنة في السن وقد أثقلتها سلَّة حملت فيها ما اشترته من السوق من خضار وفاكهة، فأخذها منها حتى وضعها أمام منزلها، ولما تكرر ذلك منه جمعت ذات ليلة أبناءها وأحفادها ليقدِّموا له جميعاً الشكر والعرفان، وقد سأله أحد أحفادها: لماذا بادرت إلى مساعدة جدتي دون غيرك من الجيران والمارة؟ فقال الشاب: أنا مسلم، وإن ديني يؤكد كثيراً على تقديم المساعدة لكبار السن والضعفاء.
وهنا انهالت عليه الأسئلة حول الإسلام ـ والذي لا يعرفون عنه أي شيء ـ وأخذ صاحبنا في الشرح.. وكانت الثمرة إسلام تلك المرأة العجوز مع عدد من أبنائها وأحفادها.

ليت أمريكا كلها مثله
وفي إحدى الولايات الأمريكية كان هناك فتى مراهق سبَّب الكثير من الأذى لأمه بسبب تعاطيه المخدرات ومشاكساته لأبناء الحي، وقد تعرَّف الفتى على مجموعة من الشباب المسلم، وهداه الله للإسلام، وانقلب الفتى رأساً على عقب، وذهلت والدته من التغير الجذري الذي طرأ على ولدها؛ فما كان منها إلا أن ذهبت إلى كنيسة في الحي لتبشِّر القسيس هناك بصلاح ابنها ـ ظناً منها أنه سيفرح بذلك ـ فما كان منه إلا أن قال لها: انتبهي! المسلمون وضعوا خطة لأسلمة كل أمريكا! فما كان من المرأة إلا أن قالت: إذا صار كل الأمريكان مثل ابني فهذا فعلاً شيء عظيم!

اليوم وفي ظل الأزمة المالية التي تجتاح العالم ينادي الكثير من المصرفيين المسلمين وغير المسلمين بضرورة الاستفادة من الأسلوب الإسلامي في التمويل والذي يقوم على المشاركة عوضاً عن أخذ الربا والفائدة على الإقراض. وهناك من يتوقع ارتفاع الأموال التي تديرها البنوك الإسلامية ـ وهي اليوم في حدود مئتي مليار دولار ـ إلى ثلاثة أضعاف ما هي عليه اليوم، وقد أثبت النظام المصرفي الإسلامي أنه الأفضل والأكثر أماناً؛ ومن ثَمَّ فإن عدداً من البنوك العالمية الكبرى قد فتحت أقساماً فيها للتعامل المصرفي الإسلامي، وقد حققت نجاحات مقدرة.

ماذا يعني كل هذا؟
إنه يعني الأمرين الآتيين:
1 ـ إن تحسُّن أوضاع المسلمين في مجال السياسة والاقتصاد والاجتماع... هو الذي يقدِّم البرهان على عظمة دينهم، وهو الذي يحرِّض أبناء الملل والديانات الأخرى على تعلُّم الإسلام وفهمه والتفاعل مع أُطره وطروحاته.
وفي المقابل؛ فإن سوء أحوال المسلمين وتردِّي أوضاعهم يشكِّل أكبر قوة صدٍّ عن الإسلام وأكبر مساعد لأعدائه على تشويهه وإلحاق التُّهم الظالمة به؛ فالناس لا يستوعبون على نحو جيد فكرة الفصل بين المبادئ وأصحابها.

2 ـ هل نريد للناس أن يدخلوا في دين الله أفواجاً؟ إذن؛ فلنجتهد في بناء النماذج الناجحة؛ إن كل واحد منا يستطيع أن يجعل من نفسه نموذجاً يقدِّم الدليل على قدرة هذا الدين على العطاء المستمر: هذا نموذج في حسن المعاملة، وهذا نموذج في مساعدة الآخرين، وهذا نموذج في الجِدِّية والإنجاز، وهذا نموذج في المحافظة على الوقت، وهذا نموذج في اللطف والكياسة، وهذا نموذج في المبادرة للإصلاح..

إن النماذج تمتلك القوة على اختراق كل الحواجز لتؤثِّر في العقل الباطن، وتغيِّر ـ من ثَمَّ ـ المفاهيم والمشاعر. ليكن شعارنا في المرحلة المقبلة: الكثير من العمل، والقليل من الكلام.
والله ولي التوفيق.
ـــــــــــــــــــ
المصدر: د.عبد الكريم بكار "البيان: 257"

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة