[ ص: 1 ] بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي تقدست عن الأشباه ذاته ، وتنزهت عن سمات الحدوث صفاته ، ودلت على وجوده وقدمه مخلوقاته ، وشهدت بربوبيته وألوهيته مصنوعاته ، وأقرت بالافتقار إليه برياته ، وأذعنت لعظمته وحكمته مبتدعاته ، سبحانه من إله تحيرت العقول في بديع حكمته ، وخضعت الألباب لرفيع عظمته ، وذلت الجبابرة لعظيم عزته ، ودلت على وحدانيته محدثاته ، يعطي ويمنع ، ويخفض ويرفع ، ويوصل ويقطع ، فلا يسأل عما يصنع ، كما نطقت به آياته ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا ضد ولا ظهير ولا وزير ، فالكل خلقه وإليه غاياته ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، وأمينه على وحيه ، وشهيده على أمره ونهيه ، من بهرت العقول معجزاته ، وأعجزت النقول دلائل نبوته وإرهاصاته ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وأصهاره وأحبائه ، وأنصاره وأحزابه ، ما دامت آلاء الله وأرضه وسماواته ، وما انقشعت بنور رسالاته غياهب الشرك وظلماته ، وابتسمت الأيام بعد عبوسها ، وظهرت الأحكام بعد طموسها ، وأينعت الأوقات بعد يبوسها ، وولى ظلام الظلم وانمحت آفاته ، أما بعد : فيقول العبد الفقير إلى مولاه العلي محمد بن الحاج أحمد السفاريني الأثري الحنبلي : قد كان في سنة ثلاث وسبعين بعد المائة وألف طلب [ ص: 2 ] منا بعض أصحابنا النجديين أن أنظم أمهات مسائل اعتقادات أهل الأثر في سلك سهل لطيف معتبر ، ليسهل على المبتدئين حفظه ، وتنفعهم معانيه ولفظه ، وذلك بعد قراءتهم علينا مختصرات العقائد جملة كلمعة الإمام الموفق ، ومختصر نهاية المبتدئين لشيخ مشايخنا البدر البلياني ، والعين والأثر للشيخ عبد الباقي والد أبي المواهب ، فابتهج قلبه بما أوقفناه عليه من الفوائد ، فتعللت باشتغال ( البال ، وتشويش ) الخاطر بالبلبال ، وتشتت الأفكار ، ( وتغير الأطوار ) ، فألح بالسؤال والالتماس ، وقال ما في فراغك عن هذه الخواطر واشتغالك بهذا المطلوب الحاضر مدة من باس ، فلما لم يندفع بالاندفاع ، ولم يفد التعليل لهذا الطالب الملتاع ، نظمت أمهات مسائل عقائد السلف في سمط عقد أبهى من اللآلئ البهية ، وسميتها ( الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية ) ، وعدتها مائتا بيت وبضعة عشر ، وتكفي وتشفي من معظم الخلاف الذي ذاع وانتشر . ثم بعد تمام نظمها ، والفراغ مما أودع في ضمنها من علمها ، ألح المذكور وإخوانه ، وذووه وخلانه على تصنيف شرح لهذا العقد الذي شفى وأبرى ، وقالوا : صاحب البيت بالذي فيه أدرى ، فتجشمت تلك المسائل الوعرة ، والمدارك التي تقاعس عن إدراك حقائقها غير الألمعية المهرة ، فإني وإن كنت غير ألمعي ولا ماهر ، ولكني تطفلت على ما أودع حذاق هذا الشأن في الطروس والدفاتر ، فأجبتهم إنجاحا لمطلوبهم ، وطلبا لشفاء صدورهم وصلاح قلوبهم ، وعولت فيما قصدت على المولى الجواد الجليل ، فهو عوني وحسبي ونعم الوكيل .
وسميته ( بلوامع الأنوار البهية ، وسواطع الأسرار الأثرية ، لشرح [ ص: 3 ] الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية ) . ولأقدم أمام المطلوب مقدمة ، تشتمل على عشر تعريفات مجسمة ، فأقول بعد البراءة من القوة والحول ، والاعتماد على ذي الكرم والطول :