مِنْ قواعد صفات الله عز وجل عند أهل السُنة: أن أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية مصدرها القرآن الكريم والسُنة النبوية، لا مجال للعقل والاجتهاد فيها، يجب الوقوف فيها على ما جاء به القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة.. وأهل السُنة يثبتون ما أثبته الله عز وجل لنفسه ـ مِنْ أسماء وصفات ـ في كتابه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه، مِن غير تحريف (صرف اللفظ عن معناه الحقيقي)، ولا تعطيل (نفي صفات الله تعالى أو أسمائه)، ومِنْ غير تكييف (ليس المقصود نفي وجود كيفية لصفات الله، وإنما المقصود نفي علم الخَلْق بهذه الكيفية) ولا تمثيل (اعتقاد مُمَاثلة أي شيء مِنْ صفات الله تعالى لصفات المخلوقات)، كما ينفون ما نفاه الله عن نفسه في كتابه، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن الله عز وجل أعلم بنفسه مِنْ غيره، ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلم الخَلْق بربه.. فلا يجوز بحال مِنَ الأحوال تسمية الله تعالى أو وَصْفُه بما لم يأتِ في الكتاب والسُّنَّة النبوية الصحيحة، لأنَّ ذلك قَولٌ على الله تعالى بلا عِلم، قال الله تعالى: {أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ}(البقرة:140)، ونفى إحاطةَ النَّاسِ بالعِلْمِ به، فقال سبحانه: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}(طه:110). وحرَّم ـ سبحانه ـ تحريما شديداً القول على الله بغير علم، وعدَّه مِن أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، ومِنْ أعظم مقاصد الشيطان، قال ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}(البقرة:169): "أيْ: إنما يأمركم عَدُوُّكُم الشيطان بالأفعال السيئة، وأَغْلظ منها الْفَاحِشة كالزِّنا ونحوه، وأغلَظ مِنْ ذلك وهو الْقَوْل على اللَّه بِلا عِلْم". وقال السعدي: "{وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} فيدخل في ذلك، القول على الله بلا علم، في شرعه، وقدَره، فمَنْ وصف الله بغير ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، أو نفى عنه ما أثبته لنفسه، أو أثبت له ما نفاه عن نفسه، فقد قال على الله بلا علم". وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين": "حرَّم الله سبحانه القول عليه بغير عِلم في الفتيا والقضاء، وجعله مِنْ أعظم المحرمات.. وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في: أسمائه وصفاته وأفعاله، وفي دينه وشرعه".. وقد قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الشورى:11). قال القرطبي: "والذي يُعْتقد في هذا الباب أن الله جلَّ اسمه في عظمته وكبريائه وملكوته وحُسْنى أسمائه وعَليِّ صفاته، لا يشبه شيئا من مخلوقاته ولا يُشبه به {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وقد قال بعض العلماء المحققين: التوحيد إثبات ذات غير مُشبهة للذوات، ولا مُعَطّلة مِنَ الصفات. وزاد الواسطي رحمه الله بيانا فقال: ليس كذاته ذات، ولا كاسمه اسم، ولا كفعله فعل، ولا كصفته صفة إلا مِنْ جهة موافقة اللفظ.. وهذا كله مذهب أهل الحق والسُنة والجماعة رضي الله عنهم". وقال الشيخ ابن عثيمين في "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى": "السَّلَف الصَّالح مِنْ صَدْرِ هذه الأُمَّة، وهم الصَّحابة الذين هم خير القُرون، والتَّابعون لهم بإحسان، وأئمَّة الهُدى مِن بَعْدِهم: كانوا مُجْمِعين على إثبات ما أثبَته اللهُ لنَفْسه، أو أثبَته له رسولُه صلى الله عليه وسلم مِنَ الأسماء والصِّفات، وإجراء النصوص على ظاهِرِها اللَّائِق بالله تعالى، مِنْ غير تحريفٍ، ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ، ولا تمثيلٍ، وهم خير القرون بنَصِّ الرَّسول صلى الله عليه وسلم، وإجماعُهم حُجَّة مُلزِمة لأنَّه مُقتَضى الكِتاب والسُّنَّة"..
صِفاتُ اللهِ عزَّ وجلَّ توقيفيَّة:
صفات الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل والاجتهاد فيها، يجب الوقوف فيها على ما جاء به القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة، وأقوال أئمة وعلماء أهل السُنة في ذلك كثيرة، ومنها:
ـ قال أبو بكر الإسماعيلي الجرجاني: "ويعتقدون ـ يعني: أهل السنة والجماعة ـ أن الله تعالى مدعو بأسمائه الحسنى، وموصوف بصفاته التي سمى ووصف بها نفسه، ووصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم".
ـ قال أبو عبد الله بن بَطَّة العُكْبَريُّ الحنبلي في "الإبانة الكبرى": "مِن علامات المؤمنين أن يصفوا الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، مما نقلته العلماء، ورواه الثقات مِنْ أهل النقل، الذين هم الحُجة فيما رووه مِنَ الحلال والحرام والسنن والآثار، ولا يقال فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف؟ ولا لم؟ بل يتبعون ولا يبتدعون، ويسلمون، ولا يعارضون، ويتيقنون ولا يشكون ولا يرتابون".
ـ قال أبو عثمان الصابوني في "عقيدة السلف أصحاب الحديث": "وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذِكْرِها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح مِنَ السمع، والبصر، والعين، والوجه، والعلم، والقوة، والقدرة، والعزة، والعظمة، والإرادة، والمشيئة، والقول، والكلام، والرضا، والسخط، والحياة، واليقظة، والفرح، والضحك، وغيرها، من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله تعالى، وقاله رسوله صلى الله عليه وسلم، مِنْ غير زيادة عليه ولا إضافة إليه، ولا تكييف له ولا تشبيه، ولا تحريف ولا تبديل ولا تغيير".
ـ قال الأصبهاني في "الحُجَّة في بيان المَحجة": "الكلام في الصفات فَرْع على الكلام في الذات، وإثبات الذات إثبات وجود، لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات وإنما أثبتناها لأن التوقيف ورد بها، وعلى هذا مضى السلف". وقال: "وليس في إثبات الصفات ما يُفضي إلى التشبيه، كما أنه ليس في إثبات الذات ما يفضي إلى التشبيه، وفي قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}(الشورى:11) دليل على أنه ليس كذاته ذات، ولا كصفاته صفات".
ـ قال ابن عبد البر في "التمهيد": "أهل السُنة مُجْمِعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها". وقال أيضًا في "جامع بيان العلم وفضله": "ليس في الاعتقادِ كُلِّه في صفات الله وأسمائه إلَّا ما جاء منصوصًا في كتابِ الله، أو صَحَّ عن رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، أو أجمعَت عليه الأُمَّة، وما جاء مِنْ أخبارِ الآحاد في ذلك كُلِّه أو نحوِه، يُسَلَّمُ له ولا يُناظر فيه".
ـ قال ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية": "ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، مِنْ غير تحريف ولا تعطيل، ومِنْ غير تكييف ولا تمثيل. يثبتون له الأسماء والصفات". وقال في "مجموع الفتاوى": "جِماع القَول في إثبات الصفات هو القول بما كان عليه سَلَف الأُمَّة وأئِمَّتها، وهو أن يُوصَف الله بما وَصَف به نَفْسَه، وبما وصَفَه به رَسولُه، ويُصان ذلك عن التَّحريف والتمثيل، والتكييف والتعطيل، فإنَّ اللهَ ليس كمِثْلِه شَيء، لا في ذاتِه، ولا في صِفاتِه، ولا في أفعاله. فمَنْ نفى صِفاتِه كان مُعَطِّلًا، ومَنْ مَثَّل صِفاتِه بصِفات مخلوقاته كان مُمَثِّلًا، والواجِب إثبات الصِّفات، ونَفْيُ مُماثلتِها لصِفاتِ المخلوقات، إثباتًا بلا تشبيه، وتنزيهًا بلا تعطيل، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فهذا رَدٌّ على الممَثِّلةِ، {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الشورى:11) رَدٌّ على المعَطِّلة".
ـ قال الشَّافعي عن صفات الله عزَّ وجلَّ: "حرامٌ على العقول أن تمثِّلَ اللهَ عزَّ وجَلَّ، وعلى الأوهامِ أن تحُدَّه، وعلى الظُّنون أن تقطَع، وعلى النُّفوس أن تفَكِّر، وعلى الضَّمائِرِ أن تَعمَّق، وعلى الخواطِر أن تحيط، وعلى العُقول أن تَعقِل، إلَّا ما وصف به نَفْسَه، أو على لسانِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم".
ـ وفي "ذم التقليد" لابن قدامة: "قال أحمد بن حنبل: "لا يُوصَفُ اللهُ تعالى بأكثَرَ مِمَّا وَصَف به نَفْسَه، أو وصَفَه به رَسولُه بلا حَدٍّ ولا غاية {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الشورى:11).. ولا نتعَدَّى القُرآنَ والحديث".
ـ وفي "البيان والتحصيل": "نَقَل ابنُ رُشد عن مالك أنَّه قال: "لا ينبغي لأحَدٍ أن يَصِفَ اللهَ إلَّا بما وَصَف به نَفْسَه في القُرآن". قال ابنُ رُشد: "قوله: لا ينبغي لأحَدٍ أن يَصِف اللهَ إلَّا بما وَصَف به نَفْسَه في القُرآن. يريد: أو وَصَفه به رَسولُه في مُتواتِرِ الآثار، واجتَمَعَت الأُمَّةُ على جوازِ وَصْفِه به، وكذلك لا ينبغي عنده على قوله هذا أن يُسَمَّى اللهُ تعالى إلَّا بما سَمَّى به نَفْسَه في كتابه، أو سَمَّاه به رَسولُه، أو اجتَمَعَت الأمَّة عليه".
ـ وفي "شرح الطحاوية" لابن أبي العز: "قال أبو حنيفة: لا ينبغي لأحَدٍ أن ينطِقَ في ذاتِ اللهِ بشَيءٍ، بل يَصِفُه بما وصف به نَفْسَه، ولا يقول فيه برأيِه شيئًا، تبارك اللهُ رَبُّ العالَمين".
ـ وقال البَربهاريُّ في "شرح السنة": "ولا يُتكَلَّمُ في الرَّبِّ إلَّا بما وصَف به نَفْسَه في القُرآن، وما بَيَّن رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه".. وقال الأزهريُّ: "لا يجوزُ عند أهلِ العِلم أن يُوصَفَ اللهُ جَلَّ وعَزَّ بصِفةٍ لم يُنزِلْها في كتابه، ولم يُبَيِّنْها على لسانِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم".
من قواعِدِ صِفاتِ الله عز وجل عند أهل السُنة: إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ تعالى لنفسه مِنْ أسماء وصفات في كتابِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلى اللهُ عليه وسلم ـ مِن غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ومِن غيرِ تكييفٍ ولا تمثيل ـ، ولا مجال للعقل والاجتهاد فيها، يجب الوقوف فيها على ما جاء به القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة. قال ابن القيم في "إعلام الموقعين": "قد تنازع الصَّحابةُ في كثيرٍ مِنْ مسائِلِ الأحكامِ، وهم سادات المؤمِنين، وأكمَلُ الأُمَّة إيمانًا، ولكِنْ بحَمدِ اللهِ لم يتنازَعوا في مسألة واحدةٍ مِنْ مسائِل الأسماء والصِّفات والأفعال، بل كُلُّهم على إثبات ما نطق به الكِتابُ والسُّنَّة كَلِمةً واحِدة، مِنْ أوَّلِهم إلى آخِرِهم، لم يَسُوموها تأويلًا، ولم يُحَرِّفُوها عن مواضِعِها تبديلًا، ولم يُبْدوا لشَيءٍ منها إبطالًا، ولا ضربوا لها أمثالًا، ولم يَدْفَعوا في صدورها وأعجازِها، ولم يَقُلْ أحَدٌ منهم: يجِب صَرْفُها عن حقائقِها، وحَمْلها على مجازِها، بل تَلَقَّوْها بالقَبُول والتَّسليم، وقابَلوها بالإيمانِ والتَّعظيمِ".. وقال البيهقي في "الأسماء والصفات": "لا يجوز وَصْفه تعالى إلَّا بما دَلَّ عليه كتابُ الله تعالى، أو سُنَّةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أجمع عليه سَلَف هذه الأمة". وقال الشيخ ابن عثيمين: "صفات الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها، فلا نُثْبِت لله تعالى إلا ما دلَّ الكتاب والسُنة على ثبوته"..