الحج .. رحلة الأحلام

28/07/2020| إسلام ويب

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين، سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد.. فإن رحلة الحج إلى بيت الله العتيق رحلة يتمناها كل مسلم، ويهفو إليها قلب كل مؤمن، ويسعى لأن يفد على الله في حياته ولو مرة، يقيم بها الركن ويسقط بها الواجب، ويستمتع فيها بمشاهدة بلد الله الحرام، وبيته الذي هو قبلة المسلمين، ويمتع ناظريه برؤية الكعبة المشرفة، فيذكر إبراهيم نبي الله وصفيه وخليله، وولده في ذكرى بناء البيت ورفع قواعده، ويرى مراتع صبا النبي صلى الله عليه وسلم، ومدارج نشأته، ويعيش ذكرى الإسلام في بداياته، فهي رحلة إيمانية بحق خصوصا لمن عاش هذه المعاني، واستحضر تلك المفاهيم.

اصطفاء واجتباء
بيد أن هذه الرحلة لا يوفق لها كل أحد، وإنما هي اختيار من الله لأفراد هذا الوفد، واصطفاؤه لهم من بين جميع خلقه؛ ليكونوا من زوار بيته، ومن الوفد الذين يفدون إليه؛ وهذه نعمة يستشعرها الإنسان حين ينظر إلى أعداد المسلمين في العالم ، ثم ينظر لعدد المختارين لهذه الرحلة المباركة، فيجدهم نسبة ضئيلة جدا، فيعلم أن السفر للحج ليس فقط متوقفا على مجرد الأسباب، وإنما هو محض فضل الله تعالى وكرمه.

هذه النعمة يمكن أن تعرف قدرها وقيمتها أيها الحاج حين تعلم أن هناك أفئدة كثيرة كانت تهفو وتتمنى ما وهبك الله وما أنت فيه، لقد وفقك الله لشيء حُرِم منه الكثيرون، كم من إنسان كان يتمنى أن يحج لكن ليس عنده المال، وآخر أعطاه الله المال وحُرم العافية في البدن، وآخر وسع الله عليه رزقه، وعافى له بدنه، ووهبه القدرة، ولكن نفسه لم تطلب ولم تسع، وآخر عنده كل هذا وسعى وحاول، لكن لم يوفق لحجز مكان أو الحصول على تأشيرة.
ثم تأتي أنت أيها الحاج المبارك من بين هؤلاء جميعا فيعطيك الله المال، ويهبك الصحة والعافية والقدرة، ويحرك نفسك وقلبك، وييسر لك السبيل لتكون في النهاية أحد الوافدين عليه.
فهي نعمة كبرى لا يعدلها بعد ذلك إلا القبول، وأن يوفقك الله لأن يكون حجك مبرورا، وسعيك مشكورا، وذنبك مغفورا.

رحلة الأحلام
أنا أسمي رحلة الحج رحلة الأحلام، أو رحلة تحقيق الأحلام!!
فالله عز وجل ما اختارك من بين الناس ودعاك إلى حضرته ولتزوره في بيته فقط من أجل إسقاط الفريضة عنك....
إنما دعاك ليكرمك، ويخلع عليك من سابغ نعمه وواسع كرمه، وعظيم فضله، دعاك ليسعدك، ويحقق لك أمانيك و أحلامك.

عن جابر رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام: [الْحُجَّاجُ والعُمَّارُ وفدُ اللهِ، دعاهم فأجابوهُ، وسألوهُ فأعطاهم](حسنه الألباني في صحيح الجامعْ. والدمياطي والمنذري وقال الهيثمي رجاله ثقات).

تريد أن يغفر الله لك؟
الحج رحلة المغفرة.. الحج يهدم كل ما كان قبله.. ما عليك إلا أن تتوب وتحج حجا مبرورا.
روى مسلم في صحيحه عن عمرو بن العاص قال: [لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك. فبسط يمينه. قال فقبضت يدي. قال: "مالك يا عمرو؟" قال قلت: أردت أن أشترط. قال: "تشترط بماذا؟ "قلت: أن يغفر لي. قال: "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟].

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: [من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه].
وهذا مما يستدل به على أن الحج المبرور يغفر الله به الصغائر والكبائر جميعا، لأنه يعود بعده من الذنوب كيوم ولدته أمه، والمولود تكون صحيفته بيضاء ليس فيها أي شيء لا كبائر ولا صغائر.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الأنصاري والثقفي: [فلو كان عليك مثلُ رملِ عالجٍ أو مثلُ أيامِ الدنيا أو مثلُ قطرِ السماءِ ذنوبًا غسلها اللهُ عنك](صحيح الجامع:1360).

تريد الغنى والرزق؟
قال عليه الصلاة والسلام: [تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة](رواه الترمذي وقال حسن صحيح غريب).

تريد الجنة؟
قال عليه الصلاة والسلام: [العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة] (متفق عليه).

حتى الدنيا هنا:
من كان يريد إصلاح ولده، من كانت تريد هداية زوجها، من كان يريد إصلاح زوجته، من كان يريد وظيفة، من كان لا ينجب ويريد ذرية، من كان مريضا يريد الشفاء، من كان.. من كان.
ادعو الله فالأدعية هنا مستجابة: في عرفة، في مزدلفة، عند الصفا والمروة، عند الملتزم، بعد شرب ماء زمزم.. إنها فرصة العمر فلا تضيعوها.

فإن كنت من حجاج هذا العام فهيئا لك، وإن تمنيت ولم توفق فأسأل الله أن يكتب لك الأجر بنيتك، وأن تكون ممن قال فيهم القائل:
يا راحلين إلى البيت العتيق لقد .. سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا
إنا أقــمنا على عــذر نـكابــــده .. ومن أقام على عــذر فقــد راحـــا
نسأل الله أن يرزق الجميع حجا مبرورا، وسعيا مشكورا، وذنبا مغفورا.

www.islamweb.net