قال رسول الله صلى الله عليه وسلم[من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال، كان كصيام الدهر]رواه مسلم في صحيحه.
يحثنا النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ على صيام ستة أيام من شهر شوال، ويبين فيه أن من صام شهر رمضان ثم صام بعده ستة أيام تطوعا من شهر شوال كان ذلك له بمثابة صيام الدهر، أي صيام العام كله.
وتفسير ذلك كما قال الإمام النووي رحمه الله: "قال العلماء: وإنما كان كصيام الدهر، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، وهذه الأيام الستة من شوال تعدل شهرين".
وقد ثبت ذلك مفصلا في حديث ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: [مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدِ الْفِطْرِ فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ] (أخرجه ابن خزيمة، والنسائي، والبيهقي، وصححه الألباني)..
وقد استحب جماهير العلماء صيام هذه الأيام الستة كأحمد والشافعي وابن المبارك، وقد سبقهم إلى ذلك من الصحابة ابن عباس وغيره... وإنما كرهها من كرهها من العلماء كمالك رضي الله عنه خوفا من اعتقاد فرضيتها عند من قل علمه من عوام المسلمين. قال الإمام أبو عمر بن عبد البر: "لم يبلغ مالكاً حديث أبي أيوب، على أنه حديث مدني والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه، والذي كرهه مالك قد بينه وأوضحه خشية أن يضاف إلى فرض رمضان، وأن يسبق ذلك إلى العامة، وكان متحفظاً كثير الاحتياط للدين" اهـ. وقد ثبت الحديث وهو حجة على الجميع.
منافع وفوائد وحكم:
وأما صيام الست من شوال ففيه من المنافع والفوائد والحكم ما يلي:
أولا: استجابة لرسول الله في الترغيب في صيامه، والاقتداء به، فهو من باب اتباع السنة.
ثانيا: جبر الكسر، وسد الخلل، واستكمال ما يكون من نقص في صيام الفرض، روى أبو داود والترمذي والنسائي عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ؟ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ](صحيح سنن الترمذي).
ثالثا: فيه شكر لله على نعمة إتمام صوم رمضان، وإكمال عدته، فقد أمر الله - سبحانه وتعالى - عباده بشكر نعمة صيام رمضان بإظهار ذكره، وغير ذلك من أنواع شكره، فقال: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(البقرة:185).. ومن جملة شكر العبد لربه على توفيقه لصيام رمضان، وإعانته عليه، ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكراً عقيب ذلك.
رابعا: تحصيل ثواب صام الدهر كله.. كما سبق في الحديث.
خامسا: هو علامة على محبة العبادة وعدم السآمة والملالة من الصوم.. ففي الإقبال دليل على ذلك ودوام الرغبة في هذه العبادة الكريمة.
سادسا: علامة من علامات القبول؛ قال ابن رجب رحمه الله: "إن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان، فإن الله تعالى إذا تقبل عمل عبد، وفقه لعمل صالح بعده، كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها، فمن عمل حسنة ثم أتبعها بحسنة بعدها، كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى، كما أن من عمل حسنة ثم أتبعها بسيئة كان ذلك علامة رد الحسنة وعدم قبولها.
سابعا: علامة من علامات الاستقامة على الطاعة والمدوامة على شبهها بعد انقضاء موسمها، وأن العبد عبد رباني لا عبد رمضاني. {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} (فصلت:30).
وإنما جمعنا ما ذكره السادة العلماء من باب "ضاعِف نياتك تزد من حسناتك"! والمؤمنون تجار نية، وبقدر النوايا يكون الثواب وتكثر العطايا
أحكام هامة
على أن صيام شعبان لا يشترط فيه تتابع الأيام، وإن قيل بأفضليته، ولا تحديد بأول الشهر أو وسطه أو آخره، وإنما حيث أمكن الصوم صام، وأفتى العلماء بجواز صيام الاثنين والخميس فيجمع بين النيتين.
وأما صوم شعبان لمن كان عليه قضاء من رمضان، فقد بين أهل العلم أن يجوز لمن عليه قضاء شيء من رمضان صوم ست من شوال قبل القضاء؛ لأن زمن القضاء موسع فيه، وإن كان البعض قال بخلافه.
والخلاصة أن صيام ستة من شوال منحة أخرى من المنح الربانية فلنغتنمها، ونفحة من النفحات الإلهية فلنتعرض لها، وباب من أبواب التقرب إلى الله فتحه الله لنا لندخل به عليه.
نسأل الله أن يعيننا وإياكم على طاعته، ويتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.