خطاب الإعلاميين المصريين عانى أخيرا من انحدار وازدواج مخيف في المعايير وانفلات خطير لم تشهد له مصر نظيرًا.. فلا مهنية، ولا دقة، ولا معلومات صحيحة، ولا معايير منضبطة، ولا كلمات عاقلة حكيمة.. ولكن صراخ، وعويل، وتهييج، وإثارة، وخلط معيب للأمور، وضعف مهني ومعلوماتي، وخلل في الرأي، وحجب للحقائق، وتقديم للخاص على العام... و... و...!
هذا الوصف لما آل إليه الإعلام المصري في غالبه ليس وصفي ولا هو كلامي، وإنما هو كلام أحد الكتاب نقلته عنه من مقال نشر في إحدى الصحف المصرية منذ أيام فقط..
ولما لم يكن هذا الكلام جديدا على المتابع للإعلام المصري أحببت أن أنقل لغير المتابع من كلام الإعلاميين أنفسهم ما يصفون به الإعلام الذي يقدمونه وهو من باب المثل القائل "من فمك أدينك"..
وأحب أن أنبه أنه ليس لي من هذا المقال إلا النقل فقط، وترتيب النقول، وهي إما نقول من صحف أو مقالات منشورة في صحف، أو قيلت في برامج توك شو على الهواء مباشرة، وقد اخترت ألا يكون كتابها من الإسلاميين نفيا للتهمة وبعدا عن الانحياز وعدم الإنصاف.
أزهى عصور العك
في مقال بعنوان "أزهى عصور العك" كتب الصحفي محمود سلطان، رئيس التحرير التنفيذي لجريدة المصريون ، يقول في مقاله بالحرف:
"من أراد معرفة إلى أين تنزلق مصر، فعليه أن يتابع، إعلام "الهبل" المصري، وطريقة تعاطيه مع أية قضية، من قضايا الداخل والعلاقات الدولية. الإعلامي الساخر باسم يوسف "مسح بكرامة أهاليهم الأرض"!!!، بالصوت والصورة، (هكذا بلفظه)، ونزع عنهم ما يتخفون خلفه من "بدل" شيك.. ليبدوا أمام الرأي العام على حقيقتهم شوية "أرجوزات" و"قرود" لا قيمة لهم إلا عرضهم في سوقmbc مصر للفرجة عليهم.... إلى أن قال: مصر تعيش حاليا أزهى عصور "العك".. (والكلام كله للأستاذ محمود سلطان).
امرأة سيئة السمعة أما الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، فقد قال خلال كلمته بالندوة التي عقدها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بالتعاون مع معهد التنوع الإعلامي، الذي عقد بأحد فنادق الجيزة: "إن الإعلام يبدو كأنه امرأة سيئة السمعة، والجميع يذم في حقها وشرفها".
وقالت الكاتبة الصحفية عبير السعدى عضو مجلس نقابة الصحفيين: "إن الاستقطاب السياسي يؤثر على مهنية العمل الصحفي، مطالبة بضمانات من تعسف بعض المؤسسات الصحفية.
هراء وقاذورات
وأما باسم يوسف الإعلامي المصري الساخر والشهير مقدم برنامج "البرنامج " والذي نال بسببه شهرة واسعة ـ فقد نشرت عنه جريدة وطن ما يلي: واصل الإعلام الساخر باسم يوسف تفجير قنابله في وجه الإعلام المصري ... واستغل باسم يوسف مشاركته في إحدى الندوات التى نظمها شخصية مصرية شهيرة مقيمة بالولايات المتحدة احتفالا بفوز الإعلامي الساخر بجائزة حرية الصحافة في توجيه العديد من الانتقادات للإعلام والسلطة.. وشن باسم يوسف هجوما حادا على وسائل الإعلام المصرية، قائلا: "إن كل ما ينشر بالصحف المصرية ويقدم على المحطات التلفزيونية مجرد هراء وقاذورات، وقال حينما سألوه: كيف ترى ما ينشر بالصحف المصرية؟ "فقال بالإنجليزية نصا: "Bullshit.
"وأضاف يوسف: الصحف والفضائيات تحصل على أخبارها من أشخاص على موقع تويتر، وحينما طلب منه الحاضرون في الندوة أن يخبرهم بوسيلة إعلامية محترمة في مصر ولا تقدم هراء أو قاذورات كما قال، رد عليهم قائلا: "سبيس تون" الفضائية الوحيدة التي لا تقدم هراء.
إعلام كاذب مكانه الزبالة
ويبدو أن الإعلامي عمروا أديب، مقدم برنامج "القاهرة اليوم"، يوافق باسم يوسف فيما وصف به الإعلام المصري؛ فقد قال أديب في حلقة من برنامجه: "إن الاعلام المصري كاذب ومضلل، ومكانه "الزبالة"، ويجب على الرئيس القادم ألا يصدقه، كما يجب عليه ألا يصدق أحدا ممن حوله من مسئولين ومستشارين..
ألفاظ سوقية وجنسية
لفتت لغة الإعلام المنتشرة والتي تعتبر جديدة على مجتمعنا انتباه الدكتور سامى عبد العزيز عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة فقام بعمل دراسة حول لغة الإعلام السائدة تتبع خلالها أعدادا كبيرة من مواقع التواصل الاجتماعي وبرامج التوك شو وأعمدة الصحافة وكذلك مجموعات التواصل التي لا تقل عن 3000 ألاف مشترك، وغير ذلك من صفحات الفنانين والسياسيين والنشطاء والمشاهير.. فكانت النتيجة صادمة كما قال الدكتور نفسه:
وقد خلصت الدراسة إلى عدة نتائج، أهمها :
أن انتشار الألفاظ غير اللائقة في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي ليست ملاحظة عابرة، إنما هي واقع مستقر.. فقد بلغت نسبة انتشار واستخدام هذه الألفاظ في شبكات التواصل الاجتماعى 21% من إجمالي المشاركات، وبلغت هذه النسبة 11% في المقالات والأعمدة، وبلغت حوالى 8% في برامج التوك شو، بينما تشير نتائج الدراسة إلى أن هذه الألفاظ لم تعرف طريقها إلى الإذاعة المصرية بعد.
ومن النتائج ذات الدلالة التي كشفت عنها هذه الدراسة هي أن النشطاء السياسيين والحقوقيين هم أكثر الفئات استخدامًا للألفاظ غير اللائقة على شبكات التواصل الاجتماعي، وأن أكثر من 90% من هذه الألفاظ الت ظهرت في الدراسة كانت على صفحاتهم.. وقد وصل الأمر ببعضهم إلى أنه لا تكاد تخلو تغريدة من تغريداتهم على «تويتر» أو مشاركة لهم على الـ «فيس بوك» من لفظ مخل أو غير لائق..
سبب الأزمة
أما أسباب هذا الهبوط والإسفاف في الإعلام فقد تحدث عنها الأستاذ جميل مصر في مقال بعنوان "تحديات وتجاوزات فى ساحة الإعلام المصري" نشر يوم الخميس 17 مايو 2012 في بوابة الشروق قال فيه:
"أعتقد أنه ليس بيننا كثيرون يختلفون على مسئولية نظام مبارك عن معظم أسباب تخلف الإعلام المصري. حددت نظام مبارك لأنه لا شك وإن اشترك مع عهدي عبدالناصر والسادات في أمور ليست قليلة، إلا أنه تفوق عليهما في أربعة منها على الأقل:
أولها: الاستبداد السياسي ووحشية إجراءات الاعتقال والتعذيب وتشويه السمعة.
وثانيها: تشجيع هجرة خيرة الإعلاميين المصريين تحت عنوان إعادة تدوير الفائض الإعلامي المصري والتوسع فيه إلى حد أن تحولت إعادة التدوير إلى عملية «تجريف» الإعلام المصري من الكفاءات لصالح محطات وصحف غير مصرية تعمل بإمكانات تقنية أحدث وقدرات مادية أوفر، وفى الوقت نفسه أهمل النظام بين ما أهمل وهو كثير، أهمل تطوير مناهج التعليم فى كليات الإعلام وتقاعس عن تدريب إعلاميين جدد لتعويض الفاقد.
وثالث العناصر: التى تفوق فيها نظام مبارك عن عهدى عبدالناصر والسادات، كانت حين ركز جهود رجاله لينتزعوا من قلب الإعلام المصرى رسالته الوطنية والاجتماعية وكان من شأنه أن يشحذ التفكير العلمى ويحفز الهمم.
أما رابعها: فكان الإفساد المتعمد والمنظم لرؤوس إعلامية معروفة وانتهاز الفرص للتشهير بهم والإساءة إلى سمعة الإعلام والعاملين فيه.(انتهى بنصه).
أما الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز فيرى إن هناك عدداً من المذنبين في المجال الإعلامي، على رأسهم السياسيون والأمنيون والإعلاميون أنفسهم وملاك وسائل الإعلام والجماعات التكفيرية. (حسب قوله).
وقالت الكاتبة الصحفية عبير السعدى عضو مجلس نقابة الصحفيين: "إن الاستقطاب السياسي يؤثر على مهنية العمل الصحفي، مطالبة بضمانات من تعسف بعض المؤسسات الصحفية".
ميثاق الشرف هو الحل:
أما فيما يتعلق بموضوع العلاج والخروج من هذه الأزمة فقد رأى البعض أنه لابد من عودة الحيادية للإعلام ومنع تسييس الإعلام، ولن يمكن ذلك إلا بالرقابة على القنوات الخاصة وقنوات أصحاب الأموال والمتنفذين، ولابد من إيجاد خارطة طريق للانضباط الإعلامي على غرار خرائط الطريق السياسية.
وكان للبعض رؤية في إيجاد ميثاق شرف أو تفعيله إن كان موجودا وهو ما ذكره الأستاذ ياسر عبد العزيز عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، حيث قال: "إن ميثاق الشرف هو جزء من إطار التنظيم الذاتي، لافتا إلى أنه ليس حلا سحريا، مطالبا بإنشاء مفوضية مستقلة للإعلام تضع خارطة طريق للخروج من النفق المظلم الذي دخلته وسائل الإعلام".
وهو ما أكدته الكاتبة الصحفية عبير السعدى بقولها: "يوجد ميثاق شرف صحفي لكنه غير مفعل، وبيئة العمل الصحفي وملكية مؤسسات الإعلام تعوق تفعيله، ونحتاج لتنظيم البيت الصحفي من الداخل، وخارطة طريق خاصة بالصحفيين والإعلاميين فقط".
فهل يا ترى يمكن أن نصبح يوما فنجد الإعلام المصري قد عاد إلى حياده وإلى دوره في إعادة بناء الأخلاق وبناء مصر جديدة فاعلة ناهضة.. نتمنى ذلك.. وعسى أن يكون قريبا.