أنهت أبواب الإعلام دراسة إعلامية متخصّصة تحت عنوان: «دراما رمضان 1433هـ.. دراسة وتحليل»، أشرف عليها الدكتور مالك الأحمد، وقام بها فريق إعلامي متخصّص دُرِّب على فنون التحليل التلفزيوني.
الإطار النظري للدراسة اعتمدت الدراسة على منهج التحليل الكمي لعيّنة محددة من البرامج لدراسة متغيّرات محددة في محتوى المادة الإعلامية، من أجل الكشف عن محتواها، وهو أحد الأساليب البحثية التي تستخدم في تحليل المواد الإعلامية بهدف التوصّل إلى الاستنتاجات بطريقة دقيقة.
ترجع أهمية دراسة محتوى الرسالة الإعلامية إلى التعميمات التي يمكن الوصول إليها عن مصدر الرسالة الإعلامية وتأثيراتها المحتملة في الجمهور. ولعل ما يميّز أسلوب تحليل المحتوى هو استيفاؤه لمتطلبات المنهج العملي في الدراسات الإعلامية، ولذلك فهو مختلف عن أسلوب التحليل النوعي أو التفسيري لرسالة الاتصال.
حرص الفريق العلمي المكلَّف بالدراسة على بناء أداة تحليل محدّدة ومقننة تساعد الباحثين على الرصد والتحليل، وقد تم وضع مجموعة من المتغيّرات، وكانت على النحو التالي:
المجموعة الأولى: وتتضمن كل أشكال التدخين ومظاهره، وتعاطي المخدرات، وتناول الكحول.
المجموعة الثانية: وتتضمن كل أشكال ومظاهر الرقص والتعري، والملابس المكشوفة، بشكل مثير.
المجموعة الثالثة: وتتضمن كل ما له علاقة بالتعبيرات الجنسية اللفظية، والمحسوسة من عناق وقُبل، مظاهر وبوادر وأفعال التحرش الجنسي.
المجموعة الرابعة: وتتضمن كل ما له علاقة بالسرقة، والقتل أو محاولة القتل، والعراك بالأيدي أو الأسلحة.
المجموعة الخامسة: تتضمن الصراع بين النساء على رجل، أو الصراع بين الرجال على أنثى.
المجموعة السادسة: وتتضمن الألفاظ النابية، والاحتيال والنصب.
المجموعة السابعة: تتضمن كل ما له علاقة بالتعبير عن مظاهر وإشارات الكفر والإلحاد، والتجاوزات على الدين، ونقد الحجاب، واللحية.
المجموعة الثامنة: تتضمن هدم العلاقة بين الأب والأبناء، والتعدي (لفظي أو بالأيدي) على الأب أو الأم من قبل الأبناء.
وَفْق تلك الرؤية تم متابعة مجموعة من الأعمال الدرامية التي بُثت خلال شهر رمضان 1433هـ، وتم تحديد ما مجموعه 11 عملاً درامياً موزعة على مجموعة من القنوات الفضائية.
الفضائيات في رمضان
تحوّلت الفضائيات في شهر رمضان بفعل سطوة الإعلام إلى وحش كاسر يلتهم الجمهور، وأصبحت المسلسلات نوعاً من التجارة دون النظر إلى مضمون العمل، وبعد انتشار الفضائيات أصبح هناك نوع من المنافسة الإعلامية على ما يُعرض من دراما وبرامج تعتمد على الجاذبية، وتهتم بالدراما الاجتماعية والترفيهية، على حساب الثقافة الدينية، لدرجة أن عدد الأعمال الدرامية أصبح أكبر من عدد الأيام الرمضانية، وأصبح المشاهد محاصراً بالاختيار بين سيئ وأسوأ، لكن المشكلة أن هذه الدراما تتجه اتجاهاً تجارياً، والمشكلة الأكبر أنها أصبحت تأخذ الشكل السلبي للثقافة بمعنى التركيز على العلاقات الأسرية السيئة والجرائم تحت بند الواقع المر للحياة، وتعتمد البرامج على الإساءة والإسفاف والاستهزاء بالإنسان، أما البرامج الدينية ونتيجة لكثرة الفضائيات، أصبحت تستعين ببعض الذين يصدرون فتاوى ونصائح دينية متناقضة وغير مقنعة، يشوبها مغالطات دينية، وتكتشف بجولة سريعة على الفضائيات أن للجميع جمهوره من حجم الاتصالات والطلبات والسؤال المكرر دائماً في كل موسم رمضاني عن قضايا دينية محددة.
تكاليف الإنتاج
خلال رمضان 1433هـ تم إنتاج ما مجموعه 200 مسلسل توزعت على نحو 61 قناة متخصصة في قطاع الدراما والسينما والمسلسلات من أصل 733، شكّلت الكوميديا منها 29.9%، والدراما 64.2%، والمسلسلات التاريخية التراثية 6%.
وفي التكلفة، بلغت تكلفة المسلسلات المصرية على سبيل المثال ملياراً و150 مليون جنيه، وعدد مسلسلاتها 62 مسلسلاً، اللبنانية 4 مسلسلات، السورية 35 مسلسلاً، الخليجية 26 مسلسلاً، والمغربية 22 مسلسلاً.
وفي الخريطة البرامجية لعام 2010م أنتجت مصر على سبيل المثال 50 مسلسلاً كلفت نحو 750 مليون جنيه مصري، دفعت بعض القنوات المصرية 35 مليون جنيه لشراء حقوق العرض لبعض المسلسلات، بينما بلغت تكلفة الإنتاج لـ 35 مسلسلاً في عام 2009م 364 مليون جنيه، وإجمالي ما أنتج من دراما عربية في رمضان لعام 2008م 46 مسلسلاً تكلفتها الإجمالية 600 مليون جنيه مصري.
واقع المشاهد في دراما رمضان 1433هـ
إجمالي المشاهد التي عرضت التدخين بأنواعه بلغ 356 مشهداً.
إجمالي المشاهد التي عرضت تعاطي المخدرات بلغ 33 مشهداً.
إجمالي المشاهد التي عرضت تناول الكحول بلغ 111 مشهداً.
إجمالي المشاهد التي ظهر فيها التعري والملابس المكشوفة بشكل مثير من الصدر أو من الخلف، بلغ 1536 مشهداً.
إجمالي المشاهد التي تناولت التعبيرات الجنسية اللفظية بلغ 270 مشهداً.
إجمالي المشاهد التي ظهر فيها ما يمكن وصفه بالتعبيرات الجنسية المحسوسة من عناق وقُبل، بلغ 428 مشهداً.
إجمالي المشاهد التي عرضت التحرش ومظاهر التحرش الجنسي بلغ 54 مشهداً.
مشاهد السرقة بلغت 22 مشهداً.
مشاهد القتل أو محاولة القتل بلغت 77 مشهداً.
مشاهد العراك بالأيدي أو بالأسلحة بلغت 145 مشهداً.
مشاهد الصراع بين النساء على رجل أو بين الرجال من أجل أنثى، بلغت 31 مشهداً.
مشاهد الألفاظ النابية بلغت 473 مشهداً.
مشاهد الاحتيال والنصب بلغت 153 مشهداً.
التعبيرات عن كفر وإلحاد والتجاوزات على الدين بلغت 49 مشهداً.
نقد الحجاب واللحية ظهر بواقع 53 مشهداً.
إجمالي المشاهد التي تناولت هدم العلاقة بين الأب والأبناء بلغ 63 مشهداً.
إجمالي المشاهد التي تناولت التعدي (لفظي أو بالأيدي) على الأب أو الأم من قبل الأبناء، بلغ 46 مشهداً.
دلالات ونتائج
إن الرصد الذي قام به فريق الدراسة اشتمل على مجموعة من المفاصل الأساسية التي تشكّل عموداً أساسياً في صلب الحياة العربية الإسلامية، وظهرت فيها مخالفات متعددة في البرامج التي تم رصدها خلال رمضان 2012م، ويمكن قراءتها على النحو التالي:
أولاً: المخالفات الأخلاقية:
يُلاحَظ تركيز كبير على إظهار المخالفات الأخلاقية وكأنها أمر طبيعي ومقبول في المجتمعات العربية، وكان لها النصيب الأبرز في الوضوح، حيث ظهر مشهد تناول الكحول بواقع 3.7 مشهد في اليوم الواحد في شهر رمضان.
والمخدرات ومع انتشارها في بعض المجتمعات، أظهرتها الدراما العربية في رمضان وكأنها واقع حياة يومي، وظهرت بواقع 1.1 مشهد.
أما التدخين، ومع معرفة الطفل بالضرر الذي يتسبّب فيه حتى على غير المدخنين، إلا أن منتجي الدراما العربية يحرصون على إظهار المدخن القدوة الذي يساعده على حل المشاكل والتغلب على قلقه، فظهر مشهد التدخين بواقع 11.9 مرة في دراما رمضان 2012م.
أكاد أجزم أن المنتجين للدراما العربية لرمضان 33هـ يعانون مشاكل مع الملابس، حيث تغلّبت مشاهد التعري على أغلب المشاهد التلفزيونية، وخلال ساعة تلفزيونية تظهر مشاهد التعري بواقع 51.2 للبرامج التي تم رصدها في رمضان 2012م، وهذا الرقم مخيف جداً؛ بحيث لو فرضنا أن مدة المسلسل ساعة نجد أن أغلب ما يُقدَّم فيها يخدش حياء المشاهد ويخدش فضائل الشهر الكريم – رمضان.
دخول التعبيرات الجنسية على مشاهد الدراما العربية جاء بعد تعثر كتابة القصص، وأصبح المنتج يبحث عن الإثارة، حتى في أبسط حالات التصوير، دون تقديم سبب مقنع. وحالات المنع وإعادة التصوير التي شهدتها بعض المشاهد تؤكد أن ما مُنع بثه كان أكبر مما سُمح به، حيث قدمت دراما رمضان - ومع الأسف - 23.3 مشهد تحمل تعبيرات جنسية، سواء كانت لفظية أو محسوسة.
وفتح باب التعبيرات الجنسية يعني الدخول في عالم التحرش الجنسي ومظاهره، وهو ظاهرة موجودة في كثير من المجتمعات العربية، لكن من غير اللائق تصويرها تلفزيونياً وإظهارها وكأنها أمر طبيعي، وفي رمضان المنصرم 2012م ظهر التحرش الجنسي بواقع 1.8 مرة في اليوم الواحد.
يبدو أن الدراما العربية ملَّت من مشاهد السرقة التي كانت سمة الكثير من أعمالها، وفي دراما رمضان 2012 بُثت مشاهد السرقة بواقع 0.7 مرة في اليوم.
تتجه الدراما العربية نحو برامج الإثارة والأكشن، وهو منحى جديد يحمل تطورات مستقبلية يميل إليها المنتجون الآن، وقد سجلت مشاهد الأكشن واقع 7.4 في اليوم الواحد.
الصراع على النساء أو الرجال جاء بواقع مشهد واحد فقط في كل يوم من دراما رمضان 2012.
الألفاظ النابية التي كانت نادرة في الدراما العربية أخذت بالانتشار الآن عبر شتائم متواصلة لا تتوقف من قبل أبطال العمل للتعبير عن غضبهم من أمر ما، وظهرت بواقع 15.8 في اليوم الواحد.
الاحتيال والنصب الذي برعت في تقديمه الدراما العربية قديماً وإظهار البطل الذي يتخذ من كل الطرق وسيلة لأخذ حقه مهما كانت ملتوية، ظهر في دراما رمضان 1433هـ بواقع 5.1 مرة يومياً.
ثانياً: المخالفات الدينية والاجتماعية:
المخالفات الدينية والتعدي على المعتقدات والعقائد السماوية بطرق ملتوية، كان له نصيب من دراما رمضان 2012، فالتعبير عن الكفر والإلحاد تم بواقع 0.7 مرة في اليوم الواحد، والتجاوز على الدين تم بواقع 0.9 في اليوم، أما نقد الحجاب فتم بواقع 0.2، والذقن فظهر بواقع 1.5 مرة في اليوم الواحد.
كما أن مسعى الدراما نحو نقد مؤسسة الأسرة والتهجم عليها ظهر بكثافة في دراما رمضان 33هـ، ولم يكن ظاهراً في السنوات الماضية، فهدم العلاقة بين الآباء والأبناء وتهجم الأبناء على الآباء والأمهات، أخذ حيزاً لا بأس به، وقد بلغ 2.7 مشهد في اليوم الواحد.
وختاماً:
لقد تبيَّن من خلال الرصد والتحليل لبرامج الفضائيات العربية في رمضان 1433هـ، أنها هي ذاتها في الرداءة والميوعة والهبوط بالذوق العام مضموناً وعلى مستوى اللغة المقدمة، وفي كل سنة إعادة إنتاج الرداءة إلى ما لا نهاية وكأن الأمر مقصود ومرتب له.
لقد تبيَّن من التحليل تلميع مجموعة من النجوم ممن يشاركون شاشة القناة برامج رمضان، ويتخلل ذلك تكريسهم ومنحهم أولوية الظهور المستمر طوال العام وكأن القناة مما ملكت أيمانهم.
لقد تبيَّن من التحليل غياب الأسس الموضوعية للبرامج حتى لو كانت مستنسخة، ولا يوجد فريق يدرس الفكرة، بل هو قرار ارتجالي فوقي من مسؤول ما في القناة، والنتيجة: تجمّدت الطاقات، وضاعت الأفكار، والمضمون لا يختلف كثيراً عن حالة الإعلام العربي خارج أيام رمضان، لكن الجرعة الزائدة من الفساد والفجور تزداد في رمضان!