جاءت أحكام الشّريعة لتحقّق مصالح العباد في الدّنيا والآخرة، وقد وردت كثير من النصوص الدالة على أن الشريعة وُضعت لمصالح العباد في العاجل والآجل، منها قوله تعالى:(لعلكم تهتدون) (البقرة:53)، وقوله سبحانه: (لعلكم تتقون) (البقرة:21)، وقوله عز وجل:(ولكم فيها منافع)(غافر:80) إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي تؤكد هذه القضية.
والأعياد عندنا -نحن المسلمين- لا تخرج في الجملة عن أحكام الشريعة التي شُرِعَت لعدد من الحِكَمِ والمقاصد، التي يمكن تلمُّسها وتدبرها من خلال النصوص الواردة في هذا الشأن.
فمن أهم المقاصد التي شُرِعَ العيد لأجلها الالتقاء بين المسلمين والاجتماع فيما بينهم، وأبرز ما يتجلى ذلك في صلاة العيد، وهم يذكرون الله ويكبرونه "الله أكبر الله أكبر"، وما يستشعره كل فرد منهم من رابطة الأخوة التي تجمع بينهم، والإيمان الذي يوحد قلوبهم، تحت راية واحدة، هي راية الإسلام، وشعار واحد هو شعار التوحيد (لا إله إلا الله) ولأجل هذا المعنى كان من السُّنَّة أداء صلاة العيد في المصلى، حيث يجتمع معظم أهل البلد في مكان واحد، وعلى صعيد واحد، يؤدون صلاة واحدة، ويتبادلون أطراف الحديث في أمر دينهم ودنياهم.
ومن مقاصد العيد إدخال الفرحة على المسلمين بعد أدائهم لفرائض الله، واجتهادهم في عبادته، فعيد الفطر يأتي بعد صوم شهر رمضان، وعيد الأضحى يأتي بعد انقضاء أعظم أركان الحج، وهو يوم عرفة، فالعيد مرتبط بالعبادة ولصيق بها، وفي ذلك إشارة عظيمة إلى أن تعب المتعبدين يأتي بعده الفرح والسرور، وأن العيد إذا كان جائزة المتعبدين في الدنيا، فإن الجائزة الكبرى في الآخرة جنات عدن تجري من تحتها الأنهار، ورضوان من الله أكبر؛ مصداقاً لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه) متفق عليه.
ومن مقاصد العيد أنه يفتح مجالاً لوصل ما انقطع بين الأرحام والأقارب والأصدقاء، فليس هناك وقت أدعى لصفاء النفوس، وطهارة القلوب وإزالة الشحناء والبغضاء مثل أيام الأعياد، فحري بكل من في نفسه شيء على أخيه أن ينبذه، وحري بكل قريب هجر قريبه أن يصله، لتتصافى النفوس، وتتآلف القلوب، وتتعانق الأرواح في سماء المحبة والأخوة.
ومن مقاصد العيد إغناء الفقراء والمحتاجين، وفرحهم بالعيد كما يفرح غيرهم، وعدم تعريضهم لذل السؤال في هذا اليوم، ومن أجل ذلك شرع الله صدقة الفطر، وقد ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، وقال أغنوهم في هذا اليوم) رواه الدار قطني.
ومن مقاصد العيد المعتبرة، تغيير نمط الحياة المعتاد، وكسر رتابتها الثابتة، وذلك أن من طبيعة النفس الإنسانية حبها وتطلعها إلى التغيير والتجديد، فيجيء العيد ليضفي هذه المسحة، ويصبغ الحياة بشعور جديد يحسه الإنسان في أعماق نفسه وفيمن حوله.
ومن مقاصد العيد التوسعة على النفس والأهل والأولاد بالترفيه البريء، والمتعة الحلال، واللهو المباح، يرشدنا إلى هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام لـأبي بكر رضي الله عنه، وقد دخل على عائشة رضي الله عنها في يوم عيد، ووجد عندها جاريتين تغنيان، فأنكر عليها ذلك، فقال له صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر! إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا) متفق عليه.
وليس المراد من قوله عليه الصلاة والسلام: (هذا عيدنا) أن يُعرِّف أبا بكر بأن ذلك اليوم كان يوم عيد؛ فإن أبا بكر كان يعلم ذلك ولا شك، ولكن المراد أن لكل قوم في عيدهم فرحاً ومسرةً وشيئاً من اللهو المباح، فقوله: (وهذا عيدنا) إعلام بالرخصة في غناء الجاريتين، لأجل كون اليوم يوم عيد، قال بعض أهل العلم: وفيه إيماء إلى علة الترخيص، وهو أن من جملة المقاصد في تشريع العيد إجمام النفوس وارتياحها.
ومن ذلك أيضاً: مباسطة الأهل ومداعبتهم والتوسعة عليهم، خاصة بعد أن اختل ميزان العلاقات الاجتماعية، وباعدت تكاليف الحياة وشؤونها بين الأب وأبنائه، وبين الزوج وزوجته، وبين القريب وقريبه، فيأتي العيد لِيُعيد شيئاً من ذلك التوازن المفقود، ويصحح الوجهة وفق الهدف المنشود.
فهل يتنبه المسلمون لهذه المعاني الرفيعة في مشروعية العيد، فيلتمسوها ويمتثلوها (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السّمع وهو شهيد)(ق:37).