حذر برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة من تفاقم الأوضاع الغذائية في النيجر بسبب الجفاف الحاد وهجوم الجراد الذي اجتاحها مما عرض أكثر من 4 ملايين شخص لخطر الموت جوعًا وبالفعل حل الجفاف في ثلاثة أعوام وأدخل النيجر في دوامة طاحنة وأزمة كبيرة جعلت البحث عن الطعام الهمَّ الأول للناس.
تشكيلة السكان:
يشكل الفلاتة نسبة مهمة من مجموع الأعراق في النيجر؛ فهم في المرتبة الرابعة من حيث التعداد بعد الجرما والهوسا والطوارق، ويعتبر الفلات والطوارق من (الرعاة الرحل)، وينقسم سكان النيجر عمومًا إلى (رعاة ومزارعين)، والمزارعون هم (قبائل الهوسا)، لكن مرور أعوام من الجفاف أتعبت المزارعين والرعاة.
موت الأطفال:
- وحسب زيارة الناشط الأستاذ خالد الطويل للمخيمين في مناطق (مرادي وداكورو) فإن الأمر يبدو مروّعًا، ففي مخيم داكورو للأطفال التابع لمنظمة أطباء بلا حدود الفرنسية تم استقبال 4000 حالة خلال أربعة أشهر مات منهم 80 طفلاً (أي أنه يموت طفل مسلم كل يوم تقريبًا!).
وفي مخيم مرادي 5% من الأطفال يموتون ولا يمكن إنقاذهم لأنهم يصلون وحالتهم سيئة جدًّا فكيف بآلاف القرى حيث يموت كثير من الأطفال من سوء التغذية ولم يدخلوا في الإحصائيات للبعد وعدم وجود مواصلات.
- أكثر من 25 ألف شخص مصاب بداء الحصبة، وأكثر من 77% الحالات التي سجلت في مدينة نيامي العاصمة متفشية فيها أيضًا بين الأطفال الذين تقل أعمارهم عن الخمسة عشر عامًا، بسبب عدم تلقيهم لأي لقاح، وأن 5800 شخص أصيبوا بالتهاب السحايا الذي قد يقتل المريض في عدة ساعات، وعدد المصابين بالتهاب السحايا تجاوز في بعض المناطق الخمس عشرة حالة لكل مائة ألف نسمة أسبوعيًا ، وفي مدينة نيامي العاصمة وحدها بلغت نسبة المصابين 17.9 حالة لكل مائة ألف نسمة!!
- تقوم نساء النيجر المسلمات بحمل أطفالهنَّ المرضى بالحصبة والسحايا ونقص التغذية لمراكز النصارى في العاصمة مشيًا على الأقدام لأكثر من 20 كيلومترًا تحت حرارة تتجاوز الخمسين درجة مئوية لعلاج من بقي منهم حيًّا!!
- بالنسبة للعائلات من حدود النيجر الشرقية مع تشاد وحتى العاصمة نيامي في أقصى الغرب بالقرب من حدود مالي وبوركينا فاسو على امتداد طريق طوله 1800 كم تقريبًا توقفنا على حالات كثيرة، بات الناس يعيشون على أوراق الشجر والحشائش منذ شهرين أو أكثر بعد نزول الأمطار.
قبل المجاعة غذاؤهم غذاء الطيور المدللة!
الغذاء الوحيد قبل المجاعة والذي يستطيع النيجيريون تحمل نفقاته هو حبوب الثخن الذي يستهلكه الكثير من سكان العالم كغذاء لطيورهم المدللة، وقد يعتبر رديئًا حتى لها، وبالتالي فإن أكثر من 150 ألف طفل بالنيجر مصابون بسوء التغذية الذي تبدأ أعراضه بضعف تام، وعدم القدرة على الرضاعة وتنتهي بتوقف الرئتين والقلب ثم الموت أمام أعين الوالدين!!
أسباب المأساة:
- لم يهطل المطر في الموسم الزراعي في النيجر منذ فترة لتبدأ بوادر المجاعة ... حاول المسلمون مقاومتها اعتمادًا على محاصيل السنوات السابقة – بعد الله – حتى هلك كثير من المواشي؛ فالذي كان عنده 500 رأس من الإبل أو البقر مثلاً لم يبق لديه إلا النزر اليسير منها! ثم جاءت موجات الجراد التي قضت على الأخضر واليابس في بعض المناطق.
وتدخلت الطيور أيضًا لتفسد كثيرًا من المحاصيل الزراعية!!
وهناك التصحر وزحف الرمال والرياح الرملية القوية التي غطت مساحة كبيرة من الحقول الزراعية في كل من منطقة ديفا وطاوا وأكاديز؛ فأهلكت الكثير من المزروعات.
وزاد الطين بلة تراكم الديون على هذا الشعب الفقير مما جعل الكثير منهم لا يستطيع شراء البذور للزراعة!!
فضلاً عن نفاذ المخزون الاحتياطي لدى الحكومة النيجرية، واعتمادها على المساعدات العاجلة وخاصة من الدول الغربية وضعف مساهمة الدول العربية والإسلامية رغم النداءات التي وُجِّهت للمسلمين ومنها نداء رئيس وزراء النيجر وعبد الرحمن السميط رئيس لجنة مسلمي أفريقيا قبل أربع سنوات؛ حيث أنها لم تساهم إلا بـ1200 طن، أي ما يعادل 2% من المساعدات، مقابل 98% قدمها الغرب حسب إفادة رئيس الوزراء في النيجر.
- غلاء المواد الغذائية؛ فكيس الذرة البيضاء مثلاً الذي يزن مائة كيلوجرام يباع بـ26.5 دولارًا، ( حوالي مائة ريال سعودي أو أقل، أو 20 ألف فرنك أفريقي) فقط في النيجر، إلا أنه مبلغ كبير للمسلم في النيجر؛ حيث الدخل للفرد أقل من دولار في اليوم، ويخسر كثير من المزارعين أبقارهم فيبيعونها في نيجيريا المجاورة بـ15 دولارًا للبقرة فقط؛ ليشتروا بقيمتها الغذاء والبذور، وهو السعر الذي يعد أقل حتى من مصروف التربية والسفر علاوة على خسارتهم لأبقارهم!!
الجهود التي بذلت:
وجَّه رئيس النيجر (حما أحمدو) صرخة مدوية للعالم بأسره بتاريخ 6/4/2001م لإنقاذ شعبه المسلم من خطر مجاعة عنيفة تلوح في الأفق، قد تفتك يثلثي الشعب المسلم وقد أصبحت اليوم واقعًا!! وصرخة أخرى صدرت عنه بعد أقل من شهر من حدوث المجاعة لتقديم ستين طنًا من الحبوب، وثلاثة آلاف طن من بذور الذرة البيضاء والصفراء فقط، لتوزيعها على مزارعين التهم الجراد محاصيلهم لمحاولة زراعتها وتغطية جانب من المجاعة!!
وهكذا فالحكومة النيجرية تقوم بجهود جبارة رغم قلة إمكانياتها وتجاهد من أجل التقليل من مضاعفات الكارثة.
المنظمات الغربية:
وكان رئيس النيجر قد وجه انتقادًا لاذعًا للمؤسسات الغربية واتهمها بالمتاجرة بدماء الشعب النيجري، وأن حجم ما ينفق في الواقع لا يوازي ما يعلن عنه في الإعلام، وأن تدخلها جاء متأخرًا حتى تضاعفت المأساة.
كما حذرت المنظمات الدولية من خطر المجاعة بعد أن فات الوقت لتفاديها، وبالتحديد بعد مرور أربعة أشهر على الصرخة!!
معظم المنظمات الإغاثية العاملة منظمات غربية وحاضرة بقوة، يكفي مثلاً أن نعلم في منطقة غارلمي بمحافظة مارادي أن هناك مستشفى لإرسالية أمريكية به أرضية مطار، ومنظمة أطباء بلا حدود مثلاً افتتحت في تلك البلاد خمسة مراكز لرعاية الأطفال؛ فهي تستقبل أسبوعيًا ما يعادل ألف ومائتي حالة أغلبها في درجة بالغة الصعوبة، علاوة على أن الأرقام التي تقدمها ذات المنظمة تتحدث عن وفاة حوالي 10% من الوافدين إليها، وهذا بالطبع يجعلنا نطرح تساؤلات عديدة عن حالات الذين يموتون في صمت بسبب أنهم لا يعرفون لمثل هذه المراكز طريقًا!!
ولعله صار من التكرار القول بأن هذا النوع من الأخطار التي تواجه حياة المسلمين أصبح ميدان تنصير تدخله وكالات الإغاثة المنضوية تحت الصليب الأحمر الدولي أو الكنائس – هكذا علانية – ذلك فضلاً عن المضايقات المعيقة الكثيرة التي صارت تحد من نشاطات جمعيات الإغاثة الإسلامية منذ تدويل مفهوم الحرب على الإرهاب.
المنظمات الإسلامية:
التواجد العربي الإسلامي ضعيف ولا يكاد يذكر – رغم أن 98% من سكان النيجر مسلمون – إذا ما قيس وقورن بالتواجد الغربي، حيث لا يوجد تحرك واضح للمؤسسات الخيرية السعودية وفي السابق كانت هذه المؤسسات سبَّاقة إلى هذه الميادين!
لكن في الجانب الرسمي أصدر خادم الحرمين الشريفين – وفقه الله – قرارًا بتشكيل لجنة من الهلال الأحمر برئاسة د. صالح التويجري لزيارة النيجر لدراسة الوضع والرفع بما يلزم لإغاثة الشعب النيجري المسلم.
أما الكويت فهناك تحرك من قبل لجنة مسلمي إفريقيا وللدكتور عبد الرحمن السميط جهود مشكورة في الوصول للمنطقة وتحريك الناس إليها..
وهناك تحرك أقل من باقي الدول مثل قطر و الإمارات وليبيا والمغرب وكذلك ماليزيا.
الوضع المستقبلي:
قد تستمر المأساة طويلاً نظرًا لخسارة كثير من المزارعين لمحاصيلهم للأسباب التي سبق ذكرها وليس هناك أي مخزون للمستقبل.
وكثير من المزارعين يتوقع ألا يكفيهم محصولهم الجديد أكثر من 4 أشهر مما يعني استمرار المأساة، كما أن جزءًا من هذا المحصول سيكون سدادًا للديون.
وهناك إمكانية لتفادي مثل هذه الوضعيات التي لا تليق بالكرامة الإنسانية، بسبب توفر موارد مائية مقبولة ممثلة في نهر النيجر الذي يمر بالبلاد والذي يعرف عنه أنه أحد أكبر أنهار إفريقيا غزارة وخصوبة، لكن هذا يحتاج إلى جهود إنمائية ضخمة.