الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      باديس بن حبوس

                                                                                      ابن ماكس بن بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي ، من قواد [ ص: 591 ] البربر له شرف وأبوة وعشيرة .

                                                                                      تملك غرناطة ، وجيش الجيوش ، وحارب المعتصم صاحب المرية ، والمعتضد صاحب إشبيلية ، وكان سفاكا للدماء . فيه عدل بجهل .

                                                                                      وقفت له امرأة عند باب إلبيرة فقالت : يا مولانا ! ابني يعقني . فطلبه ، ودعا بالسيف ، فقالت المرأة : إنما أردت تهديده . فقال : ما أنا بمعلم كتاب . وأمر به ، فضربت عنقه .

                                                                                      واستعمل بعض أقاربه على بلد ، فخرج يتصيد ، فمر بشيخ قرية ، فرغب في تشريفه بالضيافة ، فأنزله في أرض فيها دولاب وفواكه ، فبادر له بثريد في لبن وسكر ، وقال : نأتي بعد بما تحب . فرماه برجله ، وضرب الشيخ ، ففر الشيخ ، وأتى إلبيرة ، فعرف الملك بما جرى عليه ، فقال : ارجع واصبر ، وواعده ، ثم جاءه بعد أيام في كبكبة منهم خصمه ، فقدم الشيخ للملك مثل ذلك الثريد ، فتناوله وأكله واستطابه ، ثم قال : خذ بثأرك من هذا ، فاضربه . فاستعظم الشيخ ذلك ، فقال الملك : لا بد ، فضربه حتى اقتص منه . فقال الملك : هذا حق هذا ، بقي حق الله في إهانة نعمته ، وحقي في اجتراء العمال . فضرب عنقه ، وطيف برأسه . حكاها اليسع بن حزم . [ ص: 592 ]

                                                                                      وحكي أيضا أن بعض أهل البادية كانت له بنت عم بديعة الحسن ، فافتقر ، ونزح بها ، فصادفه في الطريق أمير صنهاجي ، فأركبها شفقة عليها ، ثم أسرع بها ، فلما وصل البدوي ، أتى دار الأمير ، فطردوه ، فقصد الملك ، فقال لذاك الأمير : ادفع إليه زوجته . فأنكر ، فقال : يا بدوي ! هل لك من شهيد ولو كلبا يعرفها ؟ قال : نعم . فدخل بكلب له إلى الدار ، وأخرجت الحرم ، فلما رآها الكلب ، عرفها وبصبص ، فأمر الملك بدفعها إلى البدوي ، وضرب عنق الأمير ، فقال البدوي : هي طالق لكونها سكتت ، ورضيت . فقال الملك : صدقت ، ولو لم تطلقها لألحقتك به . ثم أمر بالمرأة ، فقتلت .

                                                                                      قال صاحب حماة : توفي والد باديس هذا في سنة تسع وعشرين وأربعمائة ، وتملك ابنه باديس بن حبوس ، وامتدت أيامه ، ثم تملك غرناطة ابن أخيه عبد الله بن بلكين بن حبوس ، وبقي حتى أخذها منه يوسف بن تاشفين سنة بضع وثمانين وأربعمائة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية