الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      يحيى بن علي بن حمود المعتلي بالله

                                                                                      أبو زكريا العلوي الحسني الإدريسي ، وأمه علوية أيضا .

                                                                                      غلب على أكثر الأندلس ، وتسمى بالخلافة ، واستناب على قرطبة الأمير عبد الرحمن بن أبي عطاف إلى سنة سبع عشرة ، ثم قطعت دعوته عن قرطبة فتردد عليها بالعساكر إلى أن أطاعته جماعة البربر وسلموا إليه الحصون والقلاع ، وعظم سلطانه ، ثم قصد إشبيلية ، فحاصرها ، فخرج منها فوارس [ ص: 138 ] وهو حينئذ سكران ، فحمل عليهم وكانوا قد أكمنوا له ، فقتلوه في المحرم ، سنة سبع وعشرين وأربعمائة .

                                                                                      ولما انهزم البربر مع القاسم بن حمود من قرطبة ، اتفق رأي أهلها على رد الأمر إلى بني أمية ، فاختاروا عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار بن الناصر لدين الله أخا المهدي فبايعوه في رمضان سنة أربع عشرة ، ولقبوه بالمستظهر بالله ، وله اثنتان وعشرون سنة .

                                                                                      ثم قام عليه نسيبه محمد بن عبد الرحمن في طائفة من سفلة العوام ، فقتلوا المستظهر بعد شهرين ، وكان قد وزر له أبو محمد بن حزم الظاهري ، فأثنى على المستظهر ، وقال : كان في غاية الأدب والبلاغة والذكاء رحمه الله .

                                                                                      وقوي أمر محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن الناصر الأموي ، ولقبوه بالمستكفي بالله فبويع وله ثمان وأربعون سنة ، فتملك ستة أشهر ، وكان أحمق ، قليل العقل ، وزر له أحمد بن خالد الحائك ، ثم قتل وزيره ، وخلع هو ، وسجنوه ثلاثا لم يطعموه فيها شيئا ، ثم نفوه المعثر ، فلحق بالثغور ، وأضمرته البلاد ، وقيل : بل سم في دجاجة ، فهلك ، وعاد أمر الناس إلى المعتلي .

                                                                                      فلما غاب المعتلي ، أجمع أهل قرطبة على رد الأمر إلى بني أمية ، ونهض [ ص: 139 ] بذلك الوزير أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور ، وبايعوا أبا بكر هشام بن محمد بن عبد الملك بن الناصر لدين الله ، ولقب بالمعتد بالله في ربيع الأول سنة ثماني عشرة ، وله أربع وخمسون سنة ، فبقي ينتقل في الثغور ، ودخل قرطبة في آخر سنة عشرين ، فلم يلبث إلا يسيرا حتى قامت عليه طائفة من الجند ، وجرت أمور يطول شرحها ، ثم خلعوه ، وأخرج من قصره والنساء مهتكات حافيات ، إلى أن دخلوا الجامع في هيئة السبايا ، فبقوا هنالك أياما يتعطف عليهم الناس بالطعام إلى أن خرجوا من قرطبة ، فلحق هشام هذا بابن هود المتغلب على سرقسطة ولاردة وطرطوشة ، فأقام عنده إلى أن مات سنة سبع وعشرين في العام الذي قتل فيه المعتلي .

                                                                                      فهذا آخر ملوك بني أمية مطلقا ، وتفرقت الكلمة ، وصار في الأندلس عدة ملوك .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية