الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      دعلج

                                                                                      دعلج بن أحمد بن دعلج بن عبد الرحمن المحدث الحجة الفقيه الإمام أبو محمد السجستاني ثم البغدادي التاجر ، ذو الأموال العظيمة .

                                                                                      ولد سنة تسع وخمسين ومائتين أو قبلها بقليل ، وسمع بعد الثمانين ما لا يوصف كثرة بالحرمين ، والعراق ، وخراسان ، والنواحي حال جولانه في التجارة .

                                                                                      [ ص: 31 ] وحدث عن : علي بن عبد العزيز ، ومحمد بن غالب تمتام ، ومحمد بن عمرو قشمرد النيسابوري ، وعبد العزيز بن معاوية القرشي ، وهشام بن علي السيرافي ، وبشر بن موسى ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل ، ومحمد بن إبراهيم البوشنجي ، ومحمد بن أيوب البجلي ، والعباس بن الفضل الأسفاطي ، وأبي مسلم الكجي ، ومحمد بن ربح البزاز ، وعثمان بن سعيد الدارمي ، ومحمد بن عبد الرحمن السامي ، وإمام الأئمة ابن خزيمة ، وعدد كثير .

                                                                                      حدث عنه : الدارقطني ، وابن جميع الغساني ، وأبو عبد الله الحاكم ، وابن رزقويه ، وأبو القاسم بن بشران ، وعلي بن أحمد البادي ، وأبو علي بن شاذان ، وأحمد بن أبي عمران الهروي ، والأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني ، وخلق سواهم . ولقي بدمشق أبا الحسن بن جوصا وطبقته .

                                                                                      قال أبو سعيد بن يونس : حدث بمصر ، وكان ثقة .

                                                                                      وقال الحاكم : دعلج الفقيه شيخ أهل الحديث في عصره ، له صدقات جارية على أهل الحديث بمكة وببغداد وسجستان ، أول ارتحاله كان إلى نيسابور فأخذ مصنفات ابن خزيمة ، وكان يفتي على مذهبه ، سمعته يقول ذلك ، وجاور بمكة مدة .

                                                                                      قال الخطيب : كان دعلج من ذوي اليسار ، له وقوف على أهل الحديث . وحدث عن عثمان الدارمي ، وابن ربح ، وإبراهيم بن زهير الحلواني ، وإسحاق الحربي ، ومحمد بن شاذان الجوهري ، ومحمد بن سليمان الباغندي ، ومحمد بن يحيى القزاز ، وأحمد بن موسى [ ص: 32 ] الحمار . وسرد جماعة ، ثم قال : حدثنا عنه ، فسمى جماعة . قال : وكان ثقة ، ثبتا ، جمع له المسند ، وحديث شعبة ، وحديث مالك . قال : وبلغني أنه كان يبعث بمسنده إلى ابن عقدة لينظر فيه ، فجعل بين كل ورقتين دينارا . وكان الدارقطني هو المصنف له كتبه ، فحدثني أبو العلاء الواسطي عن الدارقطني قال : صنفت لدعلج المسند الكبير ، فكان إذا شك في حديث ضرب عليه ، ولم أر في مشايخنا أثبت منه .

                                                                                      قال أبو العلاء : وقال عمر البصري : ما رأيت ببغداد ممن انتخبت عليه أصح كتبا من دعلج .

                                                                                      قال الحاكم : سمعت الدراقطني يقول : ما رأيت في مشايخنا أثبت من دعلج .

                                                                                      قال أبو ذر الهروي : سمعت أن معز الدولة أول ما أخذ من المواريث مال دعلج ، خلف ثلاثمائة ألف دينار .

                                                                                      قال الخطيب : حكى لي أبو العلاء الواسطي ، أن دعلجا سئل عن مفارقته مكة فقال : خرجت ليلة من المسجد ، فتقدم ثلاثة من الأعراب ، فقالوا : أخ لك من خراسان قتل أخانا ، فنحن نقتلك به ، فقلت : اتقوا الله ، فإن خراسان ليست بمدينة واحدة ، ولم أزل بهم إلى أن اجتمع الناس وخلوا عني . فهذا كان سبب انتقالي إلى بغداد . وكان يقول : ليس في الدنيا مثل داري ، وذلك لأنه ليس في الدنيا مثل [ ص: 33 ] بغداد ، ولا ببغداد مثل محلة القطيعة ، ولا في القطيعة مثل درب أبي خلف ، وليس في الدرب مثل داري . ونقل أبو بكر الخطيب حكاية مقتضاها أن رجلا صلى الجمعة ، فرأى رجلا متنسكا لم يصل ، فكلمه ، فقال : استر علي ، لدعلج علي خمسة آلاف ، فلما رأيته أحدثت . فبلغ ذلك دعلجا ، فطلبه إلى منزله ، وحلله من المال ، ووصله بمثلها لكونه روعه .

                                                                                      قال الخطيب : حدثنا أبو منصور محمد بن محمد العكبري ، حدثني أحمد بن الحسين الواعظ قال : أودع أبو عبد الله بن أبي موسى الهاشمي عشرة آلاف دينار ليتيم ، فضاقت يده ، فأنفقها ، وكبر الصبي ، وأذن له في قبض ماله . قال ابن أبي موسى : فضاقت علي الأرض ، وتحيرت ، فبكرت على بغلتي ، وقصدت الكرخ ، فانتهت بي البغلة إلى درب السلولي ووقفت بي على باب مسجد دعلج ، فدخلت فصليت خلفه الفجر ، فلما انفتل رحب بي ، وقمنا فدخلنا داره ، فقدمت لنا هريسة ، فأكلت وقصرت ، فقال : أراك منقبضا ، فأخبرته ، فقال : كل فإن حاجتك تقضى ، فلما فرغنا ، استدعى بالذهب والميزان ، فوزن لي عشرة آلاف دينار . وقمت أطير فرحا ، فوضعت المال على القربوس وغطيته بطيلساني ، ثم سلمت المال إلى الصبي بحضرة قاضي القضاة ، وعظم الثناء علي .

                                                                                      فلما عدت إلى منزلي استدعاني أمير من أولاد الخليفة ، فقال : قد رغبت في معاملتك [ ص: 34 ] وتضمينك أملاكي ، فضمنتها ، فربحت في سنتي ربحا عظيما ، وكسبت في ثلاث سنين ثلاثين ألف دينار ، وحملت لدعلج المال ، فقال : سبحان الله ، والله ما نويت أخذها ، حل بها الصبيان ، فقلت : أيها الشيخ ، أيش أصل هذا المال حتى تهب لي عشرة آلاف دينار ؟ فقال : نشأت ، وحفظت القرآن ، وطلبت الحديث ، وكنت أتبرز ، فوافاني تاجر من البحر ، فقال : أنت دعلج ؟ قلت : نعم . قال : قد رغبت في تسليم مالي إليك مضاربة ، فسلم إلي برنامجات بألف ألف درهم .

                                                                                      وقال لي : ابسط يدك فيه ولا تعلم مكانا ينفق فيه المتاع إلا حملته إليه ، ولم يزل يتردد إلي سنة بعد سنة يحمل إلي مثل هذا ، والبضاعة تنمى . ثم قال : أنا كثير الأسفار في البحر ، فإن هلكت ، فهذا المال لك على أن تصدق منه ، وتبني المساجد ، فأنا أفعل مثل هذا ، وقد ثمر الله المال في يدي ، فاكتم علي ما عشت .

                                                                                      قال الحاكم : كان السلطان لا يتعرض لتركة ، ثم لم يصبر عن أموال دعلج . وقيل : لم يكن في الدنيا أيسر منه من التجار ، وتركوا أوقافه ، رحمه الله .

                                                                                      قال الحاكم : اشترى دعلج بمكة دار العباسية بثلاثين ألف دينار . قال أبو عمر بن حيويه : أدخلني دعلج بن أحمد داره ، وأراني بدرا من المال معبأة ، فقال لي : خذ منها ما شئت ، فشكرته ، وقلت : أنا في كفاية .

                                                                                      قال أبو علي بن شاذان ، وابن الفضل القطان ، وابن أبي [ ص: 35 ] الفوارس وغيرهم : مات لعشر بقين من جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة وغلط أبو عبد الله الحاكم فقال : توفي في عشر ذي الحجة من سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة .

                                                                                      قلت : الصحيح سنة إحدى .

                                                                                      وفيها كان موت أبي إسحاق الهجيمي ، وقد نيف على المائة ، وأبو محمد عبد الله بن جعفر بن الورد راوي السيرة بمصر ، وشيخ القراء والمفسرين أبو بكر النقاش ببغداد ، ومحدث الكوفة أبو جعفر بن دحيم ، ومسند بغداد ميمون بن إسحاق صاحب العطاردي .

                                                                                      أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي ، أخبرنا البهاء عبد الرحمن ( ح ) وأخبرنا أبو جعفر بن المقير وجماعة قالوا : أخبرنا يحيى بن أبي السعود قالا : أخبرتنا شهدة بنت أحمد ، أخبرنا محمد بن الحسن ، أخبرنا أبو علي بن شاذان ، أخبرنا دعلج ، حدثنا بشر بن موسى ، حدثنا عمرو بن حكام ، حدثنا شعبة ، عن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، عن عباد بن تميم ، عن عبد الله بن زيد الأنصاري : أن رسول الله ، كان إذا استسقى قلب رداءه .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية