الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      أبو زرعة الرازي ( م ، ت ، س ، ق )

                                                                                      الإمام ، سيد الحفاظ عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ : محدث الري . ودخول " الزاي " في نسبته غير مقيس ، كالمروزي .

                                                                                      مولده بعد نيف ومائتين .

                                                                                      وقد ذكر ابن أبي حاتم أن أبا زرعة سمع من : عبد الله بن صالح العجلي ، والحسن بن عطية بن نجيح وهما ممن توفي سنة إحدى عشرة ومائتين ، فيما بلغني . فإما وقع غلط في وفاتهما ، وإما في مولده ، وإما في لقيه لهما .

                                                                                      [ ص: 66 ] وقد سمع من : محمد بن سابق ، وقرة بن حبيب ، وأبي نعيم ، والقعنبي ، وخلاد بن يحيى ، وعمرو بن هاشم ، وعيسى بن مينا قالون ، وإسحاق بن محمد الفروي ، وعبد العزيز بن عبد الله الأويسي ، ويحيى بن بكير ، وعبد الحميد بن بكار ، وصفوان بن صالح ، وسليمان ابن بنت شرحبيل ، وأحمد بن حنبل ، وطبقتهم .

                                                                                      قال لنا أبو الحجاج في " تهذيبه " هو مولى عياش بن مطرف بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي . . . . ثم سرد شيوخه ، ومنهم : أحمد بن يونس اليربوعي ، والحسن بن بشر البجلي ، والحسن بن الربيع البوراني ، وأبو عمر الحوضي ، والربيع بن يحيى الأشناني ، وسهل بن بكار الدارمي ، وشاذ بن فياض ، وقبيصة بن عقبة ، ومحمد بن الصلت الأسدي ، ومسلم بن إبراهيم ، وموسى بن إسماعيل ، وأبو الوليد الطيالسي ، وآخرون .

                                                                                      وذكر شيخنا أبو الحجاج فيهم أبا عاصم النبيل ، وهذا وهم ، لم يدركه ، ولا سمع منه ، ولا دخل البصرة ، إلا بعد موته بأعوام .

                                                                                      وطلب هذا الشأن وهو حدث ، وارتحل إلى الحجاز والشام ، ومصر والعراق والجزيرة وخراسان ، وكتب ما لا يوصف كثرة .

                                                                                      حدث عنه : أبو حفص الفلاس ، وحرملة بن يحيى ، وإسحاق بن موسى الخطمي ، ومحمد بن حميد الرازي ، ويونس بن عبد الأعلى ، والربيع المرادي -وهم من شيوخه- وابن وارة ، وأبو حاتم ، ومسلم بن الحجاج ، وخلق من أقرانه ، وعبد الله بن أحمد ، وأبو بكر بن أبي داود ، وأبو عوانة الإسفراييني ، وأبو بكر بن زياد ، وأحمد بن محمد بن أبي حمزة [ ص: 67 ] الذهبي ، ومحمد بن حمدون النيسابوري ، وعدي بن عبد الله والد الحافظ أبي أحمد ، وموسى بن العباس الجويني ، ومحمد بن الحسين القطان ، والحسن بن محمد الداركي ، وخلق كثير . وابن سابق -شيخه- وهو : محمد بن سعيد بن سابق .

                                                                                      فذكر سعيد بن عمرو البرذعي ، أن أبا زرعة قال : لا أعلم صفا لي رباط يوم قط ، أما بيروت : فأردنا العباس بن الوليد بن مزيد ، وأما عسقلان ; فأردنا محمد بن أبي السري ، وأما قزوين : فمحمد بن سعيد بن سابق .

                                                                                      قال ابن أبي حاتم : فروخ جد أبي زرعة هو مولى عباس بن مطرف القرشي .

                                                                                      قال أبو بكر الخطيب : سمع أبو زرعة من مسلم بن إبراهيم ، وأبي نعيم ، وقبيصة ، وأبي الوليد ، ويحيى بن بكير . قال : وكان إماما ربانيا ، حافظا متقنا مكثرا . . جالس أحمد بن حنبل ، وذاكره ، وحدث عنه من أهل بغداد : إبراهيم الحربي ، وعبد الله بن أحمد ، وقاسم المطرز .

                                                                                      قال تمام الرازي : أخبرنا جعفر بن محمد الكندي ، حدثنا أبو زرعة الدمشقي قال : قدم علينا جماعة من أهل الري دمشق قديما ، منهم : أبو يحيى فرخويه ، فلما انصرفوا -فيما أخبرني غير واحد ، منهم : أبو حاتم الرازي - رأوا هذا الفتى قد كاس -يعني أبا زرعة الرازي - فقالوا له : نكنيك بكنية أبي زرعة الدمشقي . ثم لقيني أبو زرعة الرازي بدمشق ، وكان يذكرني [ ص: 68 ] هذا الحديث ، ويقول : بكنيتك اكتنيت .

                                                                                      قال أبو عبد الله بن بطة : سمعت النجاد ، سمعت عبد الله بن أحمد يقول : لما ورد علينا أبو زرعة ، نزل عندنا ، فقال لي أبي : يا بني ! قد اعتضت بنوافلي مذاكرة هذا الشيخ .

                                                                                      وقال صالح بن محمد جزرة : سمعت أبا زرعة يقول : كتبت عن إبراهيم بن موسى الرازي مائة ألف حديث ، وعن أبي بكر بن أبي شيبة مائة ألف فقلت له : بلغني أنك تحفظ مائة ألف حديث ، تقدر أن تملي علي ألف حديث من حفظ ؟ قال : لا ، ولكن إذا ألقي علي عرفت .

                                                                                      قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : قلت لأبي زرعة : يجوز ما كتبت عن إبراهيم بن موسى مائة ألف ؟ قال : مائة ألف كثير . قلت : فخمسين ألفا ؟ قال : نعم ، وستين وسبعين ألفا . حدثني من عد كتاب الوضوء والصلاة ، فبلغ ثمانية عشر ألف حديث .

                                                                                      وقال أبو عبد الله بن منده الحافظ : سمعت أبا العباس محمد بن جعفر بن حمكويه بالري يقول : سئل أبو زرعة عن رجل حلف بالطلاق : أن أبا زرعة يحفظ مائتي ألف حديث هل حنث ؟ فقال : لا . ثم قال أبو زرعة : أحفظ مائتي ألف حديث ، كما يحفظ الإنسان : قل هو الله أحد وفي المذاكرة ثلاث مائة ألف حديث .

                                                                                      [ ص: 69 ] هذه حكاية مرسلة ، وحكاية صالح جزرة أصح . روى الخطيب هذه عن عبد الله بن أحمد السوذرجاني ، أنه سمع ابن منده يقول ذلك .

                                                                                      قال الحافظ أبو أحمد بن عدي : سمعت أبي يقول كنت بالري ، وأنا غلام في البزازين ، فحلف رجل بطلاق امرأته : أن أبا زرعة يحفظ مائة ألف حديث . فذهب قوم -أنا فيهم- إلى أبي زرعة ، فسألناه ، فقال : ما حمله على الحلف بالطلاق ؟ قيل : قد جرى الآن منه ذلك . فقال أبو زرعة : ليمسك امرأته ، فإنها لم تطلق عليه . أو كما قال .

                                                                                      قال ابن عدي : سمعت الحسن بن عثمان التستري ، سمعت أبا زرعة يقول : كل شيء : قال الحسن : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجدت له أصلا ، إلا أربعة أحاديث .

                                                                                      وقال ابن أبي حاتم : قال أبو زرعة : عجبت ممن يفتي في مسائل الطلاق ، يحفظ أقل من مائة ألف حديث .

                                                                                      وقال ابن أبي شيبة : ما رأيت أحفظ من أبي زرعة .

                                                                                      وقال أبو عبد الله الحاكم : سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد الرازي يقول : سمعت محمد بن مسلم بن وارة قال : كنت عند إسحاق بنيسابور ، فقال رجل من العراق : سمعت أحمد بن حنبل يقول : صح من الحديث سبعمائة ألف حديث وكسر ، وهذا الفتى -يعني أبا زرعة - قد حفظ ستمائة ألف حديث .

                                                                                      [ ص: 70 ] قلت : أبو جعفر ليس بثقة .

                                                                                      ابن عدي : سمعت أحمد بن محمد بن سعيد ، حدثني الحضرمي ، سمعت أبا بكر بن أبي شيبة ، وقيل له : من أحفظ من رأيت ؟ قال : ما رأيت أحفظ من أبي زرعة الرازي .

                                                                                      ابن المقرئ : حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني : سمعت محمد بن إسحاق الصاغاني يقول : أبو زرعة يشبه بأحمد بن حنبل .

                                                                                      وقال علي بن الحسين بن الجنيد : ما رأيت أحدا أعلم بحديث مالك بن أنس مسندها ومنقطعها من أبي زرعة ، وكذلك سائر العلوم .

                                                                                      قال ابن أبي حاتم : سئل أبي عن أبي زرعة : فقال : إمام .

                                                                                      قال عمر بن محمد بن إسحاق القطان : سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل ، سمعت أبي يقول : ما جاوز الجسر أحد أفقه من إسحاق ابن راهويه ، ولا أحفظ من أبي زرعة .

                                                                                      ابن عدي : سمعت أبا يعلى الموصلي يقول : ما سمعنا بذكر أحد في الحفظ ، إلا كان اسمه أكبر من رؤيته ، إلا أبا زرعة الرازي ، فإن مشاهدته كانت أعظم من اسمه ، وكان قد جمع حفظ الأبواب والشيوخ والتفسير ، كتبنا بانتخابه بواسط ستة آلاف حديث .

                                                                                      [ ص: 71 ] وقال صالح جزرة : حدثنا سلمة بن شبيب ، حدثني الحسن بن محمد بن أعين ، حدثنا زهير ، حدثتنا أم عمرو بنت شمر ، سمعت سويد بن غفلة يقول " وعيس عين " . يريد : وحور عين [ الواقعة : 22 ] قال صالح : فألقيت هذا على أبي زرعة ، فبقي متعجبا ، فقال : أنا أحفظ في القراءات عشرة آلاف حديث . قلت : فتحفظ هذا ؟ قال : لا .

                                                                                      ابن عدي : سمعت الحسن بن عثمان ، سمعت ابن وارة ، سمعت إسحاق ابن راهويه يقول : كل حديث لا يعرفه أبو زرعة الرازي ، فليس له أصل .

                                                                                      وقال الحاكم : سمعت الفقيه أبا حامد أحمد بن محمد ، سمعت أبا العباس الثقفي يقول : لما انصرف قتيبة بن سعيد إلى الري ، سألوه أن يحدثهم ، فامتنع ، فقال أحدثكم بعد أن حضر مجلسي أحمد ، وابن معين ، وابن المديني ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو خيثمة ؟ قالوا له : فإن عندنا غلاما يسرد كل ما حدثت به ، مجلسا مجلسا ، قم يا أبا زرعة ، قال : فقام ، فسرد كل ما حدث به قتيبة ، فحدثهم قتيبة .

                                                                                      قال سعيد بن عمرو الحافظ : سمعت أبا زرعة يقول : دخلت البصرة ، فحضرت سليمان الشاذكوني يوم الجمعة ، فروى حديثا [ ص: 72 ] فرددت عليه . ثم قال : حدثنا ابن أبي غنية عن أبيه ، عن سعد بن إبراهيم ، عن نافع بن جبير ، عن أبيه ، قال : لا حلف في الإسلام .

                                                                                      فقلت : هذا وهم وهم فيه إسحاق بن سليمان وإنما هو : سعد ، عن أبيه ، عن جبير قال : من يقول هذا ؟ قلت : حدثنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا ابن أبي غنية فغضب ثم قال : ما تقول فيمن جعل الأذان مكان الإقامة ؟

                                                                                      قلت : يعيد . قال : من قال هذا ؟ قلت : الشعبي . قال : من عن الشعبي ؟ قلت : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن جابر ، عن الشعبي . قال : ومن غير هذا ؟ قلت : إبراهيم وحدثنا أبو نعيم ، حدثنا منصور بن أبي الأسود ، عن مغيرة ، عنه . قال : أخطأت . قلت : [ ص: 73 ] حدثنا أبو نعيم ، حدثنا جعفر الأحمر ، حدثنا مغيرة . قال : أخطأت . قلت : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا أبو كدينة ، عن مغيرة . قال : أصبت . ثم قال أبو زرعة : اشتبه علي ، وكتبت هذه الأحاديث الثلاثة عن أبي نعيم ، فما طالعتها منذ كتبتها . ثم قال : وأي شيء غير هذا ؟ قلت : معاذ بن هشام ، عن أشعث ، عن الحسن . قال : هذا سرقته مني -وصدق- كان ذاكرني به رجل ببغداد ، فحفظته عنه .

                                                                                      قال أبو علي جزرة : قال لي أبو زرعة : مر بنا إلى سليمان الشاذكوني نذاكره . قال : فذهبنا ، فما زال يذاكره حتى عجز الشاذكوني عن حفظه ، فلما أعياه ، ألقى عليه حديثا من حديث الرازيين ، فلم يعرفه أبو زرعة ، فقال سليمان : يا سبحان الله حديث بلدك هذا مخرجه من عندكم!؟ وأبو زرعة ساكت ، والشاذكوني يخجله ويري من حضر أنه قد عجز . فلما خرجنا ، رأيت أبا زرعة قد اغتم ، ويقول : لا أدري من أين جاء بهذا ؟ فقلت له : وضعه في الوقت كي تعجز وتخجل . قال : هكذا ؟ قلت : نعم ، فسري عنه .

                                                                                      ابن عدي : سمعت محمد بن إبراهيم المقرئ ، سمعت فضلك الصائغ يقول : دخلت المدينة ، فصرت إلى باب أبي مصعب ، فخرج إلي شيخ مخضوب ، وكنت ناعسا ، فحركني ، وقال : يا مردريك! من أين أنت ؟ أي شيء تنام ؟ قال : أصلحك الله ، أنا من الري ، من بعض شاكردي أبي زرعة فقال : تركت أبا زرعة وجئتني ؟ ! لقيت مالكا [ ص: 74 ] وغيره ، فما رأت عيناي مثل أبي زرعة .

                                                                                      قال : ودخلت على الربيع بمصر ، فقال : من أين ؟ قلت : من الري . قال : تركت أبا زرعة وجئت ؟ إن أبا زرعة آية ، وإن الله إذا جعل إنسانا آية ، أبانه من شكله ، حتى لا يكون له ثان .

                                                                                      قال ابن أبي حاتم : سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول : ما رأيت أكثر تواضعا من أبي زرعة ، هو وأبو حاتم إماما خراسان .

                                                                                      وقال يوسف الميانجي سمعت عبد الله بن محمد القزويني القاضي يقول : حدثنا يونس بن عبد الأعلى يوما ، قال : حدثني أبو زرعة ، فقيل له : من هذا ؟ فقال : إن أبا زرعة أشهر في الدنيا من الدنيا .

                                                                                      ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن أحمد ، سمع أحمد بن حنبل يدعو الله لأبي زرعة . وسمعت عبد الواحد بن غياث يقول : ما رأى أبو زرعة مثل نفسه .

                                                                                      سعيد بن عمرو البرذعي : سمعت محمد بن يحيى يقول : لا يزال المسلمون بخير ما أبقى الله لهم مثل أبي زرعة ، يعلم الناس ، وما كان الله ليترك الأرض إلا وفيها مثل أبي زرعة ، يعلم الناس ما جهلوه .

                                                                                      علقها ابن أبي حاتم عن سعيد .

                                                                                      [ ص: 75 ] ابن عدي : حدثنا أحمد بن محمد بن سلمان القطان ، حدثنا أبو حاتم الرازي ، حدثني أبو زرعة عبيد الله ، وما خلف بعده مثله ، علما وفهما وصيانة وحذقا ، وهذا ما لا يرتاب فيه ولا أعلم من المشرق والمغرب من كان يفهم هذا الشأن مثله .

                                                                                      ابن عدي : سمعت القاسم بن صفوان ، سمعت أبا حاتم يقول : أزهد من رأيت أربعة : آدم بن أبي إياس ، وثابت بن محمد الزاهد ، وأبو زرعة الرازي ، وذكر آخر .

                                                                                      قال النسائي : أبو زرعة رازي ثقة .

                                                                                      وقال أبو نعيم بن عدي : سمعت ابن خراش يقول : كان بيني وبين أبي زرعة موعد أن أبكر عليه ، فأذاكره ، فبكرت ، فمررت بأبي حاتم وهو قاعد وحده ; فأجلسني معه يذاكرني ، حتى أضحى النهار . فقلت : بيني وبين أبي زرعة موعد ، فجئت إلى أبي زرعة والناس منكبون عليه ، فقال لي : تأخرت عن الموعد . قلت : بكرت ، فمررت بهذا المسترشد ، فدعاني ، فرحمته لوحدته ، وهو أعلى إسنادا منك ، وصرت أنت بالدست . أو كما قال .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية