الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      شداد بن أوس ( ع )

                                                                                      ابن ثابت بن المنذر بن حرام . أبو يعلى ، وأبو عبد الرحمن ، الأنصاري ، النجاري ، الخزرجي . أحد بني مغالة ، وهم بنو عمرو بن مالك بن النجار .

                                                                                      وشداد هو ابن أخي حسان بن ثابت ، شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم . [ ص: 461 ]

                                                                                      من فضلاء الصحابة ، وعلمائهم . نزل بيت المقدس .

                                                                                      حدث عنه ابنه يعلى ; وأبو إدريس الخولاني ، وأبو أسماء الرحبي ، وأبو الأشعث الصنعاني ، وعبد الرحمن بن غنم ، وجبير بن نفير ، وكثير بن مرة ، وبشير بن كعب ، وآخرون .

                                                                                      قال عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر ، سمع عبد الرحمن بن غنم يقول : لما دخلنا مسجد الجابية أنا وأبو الدرداء ، لقينا عبادة بن الصامت ، فأخذ بشماله يميني ، وبيمينه شمال أبي الدرداء ، فقال : إن طال بكما عمر أحدكما أو كلاكما ، فيوشك أن تريا الرجل من ثبج المسلمين قد قرأ القرآن ، أعاده وأبداه ، وأحل حلاله ، وحرم حرامه ، ونزل عند منازله ، أو قرأ به على لسان أحد لا يحور فيكم إلا كما يحور رأس الحمار الميت .

                                                                                      فبينا نحن كذلك ، إذ طلع علينا شداد بن أوس ، وعوف بن مالك ، فجلسا إلينا ، فقال شداد : إن أخوف ما أخاف عليكم أيها الناس ، لما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول في الشهوة الخفية والشرك . فقال عبادة ، وأبو الدرداء : اللهم غفرا ، أولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قد حدثنا أن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب . فأما الشهوة الخفية ، فقد عرفناها ، فهي شهوات الدنيا ، من نسائها وشهواتها ، فما هذا الشرك الذي تخوفنا به يا شداد ؟ [ ص: 462 ]

                                                                                      قال : أرأيتكم لو رأيتم أحدا يصلي لرجل ، أو يصوم له ، أو يتصدق له ، أترون أنه قد أشرك ؟ قالوا : نعم . قال : فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من صلى يرائي فقد أشرك ، ومن صام يرائي فقد أشرك ، ومن تصدق يرائي فقد أشرك .

                                                                                      فقال عوف : أولا يعمد الله إلى ما ابتغي فيه وجهه من ذلك العمل كله ، فيقبل منه ما خلص له ، ويدع ما أشرك به فيه ؟ قال شداد : فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول عن الله ، قال : أنا خير قسيم ، فمن أشرك بي شيئا ، فإن جسده وعمله ، قليله وكثيره ، لشريكه الذي أشرك به . أنا عنه غني .

                                                                                      شداد ، كناه مسلم ، وأحمد ، والنسائي : أبا يعلى .

                                                                                      ابن جوصاء حدثني محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عمرو بن محمد بن شداد بن أوس الأنصاري : حدثنا أبي ، حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، قال : كنية شداد بن أوس : أبو يعلى

                                                                                      وكان له خمسة أولاد ، منهم بنته خزرج ، تزوجت في الأزد . وكان أكبرهم يعلى ، ثم محمدا ، ثم عبد الوهاب ، والمنذر .

                                                                                      فمات شداد ، وخلف عبد الوهاب ، والمنذر ، صغيرين ، وأعقبوا ، سوى يعلى . [ ص: 463 ]

                                                                                      ونسأ لابنته نسل إلى سنة ثلاثين ومائة .

                                                                                      وكانت الرجفة التي كانت بالشام في هذه السنة . وكان أشدها ببيت المقدس ، ففني كثير ممن كان فيها من الأنصار وغيرهم ، ووقع منزل شداد عليهم ، وسلم محمد ، وقد ذهبت رجله تحت الردم .

                                                                                      وكانت النعل زوجا ، خلفها شداد عند ولده ، فصارت إلى محمد بن شداد ; فلما أن رأت أخته خزرج ما نزل به وبأهله ، جاءت ، فأخذت فرد النعلين وقالت : يا أخي ، ليس لك نسل ، وقد رزقت ولدا ، وهذه مكرمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أحب أن تشرك فيها ولدي ، فأخذتها منه .

                                                                                      وكان ذلك في أول أوان الرجفة ، فمكثت النعل عندها حتى أدرك أولادها فلما جاء المهدي إلى بيت المقدس ، أتوه بها ، وعرفوه نسبها من شداد ، فعرف ذلك ، وقبله ، وأجاز كل واحد منهما بألف دينار ، وأمر لكل واحد منهما بضيعة ، وبعث إلى محمد بن شداد ، فأتي به يحمل لزمانته فسأله عن خبر النعل ، فصدق مقالة الرجلين ، فقال له المهدي : ائتني بالأخرى . فبكى ، وناشده الله ، فرق له ، وخلاها عنده .

                                                                                      معان بن رفاعة ، عن أبي يزيد الغوثي ، عمن حدثه ، عن أبي الدرداء ، قال : إن لكل أمة فقيها ، وإن فقيه هذه الأمة شداد بن أوس .

                                                                                      لم يصح . [ ص: 464 ]

                                                                                      وقال سفيان بن عيينة ، قال أبو الدرداء : إن شداد بن أوس أوتي علما وحلما .

                                                                                      وقال سعيد بن عبد العزيز : فضل شداد بن أوس الأنصار بخصلتين : ببيان إذا نطق ، وبكظم إذا غضب .

                                                                                      عن شداد أبي عمار ، عن شداد بن أوس ، وكان بدريا . فذكر حديثا .

                                                                                      وقال البخاري : شداد له صحبة . قال : وقال بعضهم : شهد بدرا . ولم يصح .

                                                                                      وقال ابن سعد : نزل فلسطين . وله عقب ، مات سنة ثمان وخمسين وهو ابن خمس وسبعين سنة . وكانت له عبادة واجتهاد .

                                                                                      وقال أحمد بن البرقي : كان أبوه أوس بن ثابت بدريا ، واستشهد يوم أحد .

                                                                                      ابن سعد : أخبرني من سمع ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، قال : لم يبق بالشام أحد كان أوثق ولا أفقه ولا أرضى من عبادة بن الصامت ، وشداد بن أوس . [ ص: 465 ]

                                                                                      قال المفضل الغلابي : زهاد الأنصار ثلاثة : أبو الدرداء ، وعمير بن سعد ، وشداد بن أوس .

                                                                                      علي بن المديني : حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى ، عن رجل ، عن مطرف بن الشخير ، عن رجل - أحسبه من بني مجاشع - قال : انطلقنا نؤم البيت ، فإذا نحن بأخبية بينها فسطاط ; فقلت لصاحبي : عليك بصاحب الفسطاط ، فإنه سيد القوم . فلما انتهينا إلى باب الفسطاط ، سلمنا . فرد السلام . ثم خرج إلينا شيخ . فلما رأيناه ، هبناه مهابة لم نهبها والدا قط ولا سلطانا . فقال : ما أنتما ؟ قلنا : فتية نؤم البيت . قال : وأنا قد حدثتني نفسي بذلك ، وسأصحبكم ، ثم نادى . فخرج إليه من تلك الأخبية شباب ! فجمعهم ، ثم خطبهم ، وقال : إني ذكرت بيت ربي ، ولا أراني إلا زائره .

                                                                                      فجعلوا ينتحبون عليه بكاء . فالتفت إلى شاب منهم . فقلت : من هذا الشيخ ؟ قال : شداد بن أوس ، كان أميرا ، فلما أن قتل عثمان ، اعتزلهم .

                                                                                      قال : ثم دعا لنا بسويق ، فجعل يبس لنا ، ويطعمنا ويسقينا .

                                                                                      ثم خرجنا معه ; فلما علونا في الأرض ، قال لغلام له : اصنع لنا طعاما يقطع عنا الجوع - يصغره- كلمة قالها; فضحكنا . فقال : ما أراني إلا مفارقكما . قلنا : رحمك الله ، إنك كنت لا تكاد تتكلم بكلمة ، فلما تكلمت ، لم نتمالك أن ضحكنا . فقال : أزودكما حديثا كان رسول الله يعلمنا في السفر والحضر . فأملى علينا ، وكتبناه : اللهم ، إني أسألك الثبات في الأمر ، وأسألك عزيمة الرشد ، وأسألك شكر نعمتك ، وحسن عبادتك ، وأسألك يقينا صادقا ، وقلبا [ ص: 466 ] سليما ، وأسألك من خير ما تعلم ، وأعوذ بك من شر ما تعلم ، وأستغفرك لما تعلم ، إنك أنت علام الغيوب .

                                                                                      وروي الدعاء بإسناد آخر .

                                                                                      قتيبة : حدثنا فرج بن فضالة ، عن أسد بن وداعة ، عن شداد بن أوس : أنه كان إذا دخل الفراش ، يتقلب على فراشه ، لا يأتيه النوم فيقول : اللهم ، إن النار أذهبت مني النوم . فيقوم ، فيصلي حتى يصبح .

                                                                                      رواه جماعة ، عن فرج ، عن أسد .

                                                                                      قال سلام بن مسكين : حدثنا قتادة : أن شداد بن أوس خطب ، فقال : أيها الناس ، إن الدنيا أجل حاضر ، يأكل منها البر والفاجر ، وإن الآخرة أجل مستأخر ، يحكم فيها ملك قادر . ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة ; وإن الشر كله بحذافيره في النار .

                                                                                      اتفقوا على موته كما قلنا في سنة ثمان وخمسين إلا ما يروى عن بعض [ ص: 467 ] أهل بيته : أنه في سنة أربع وستين .

                                                                                      خرجوا له في الكتب الستة .

                                                                                      وعدد أحاديثه في " مسند بقي " خمسون حديثا . أعني بالمكرر .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية