الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 211 ] زينب أم المؤمنين ( ع )

                                                                                      بنت جحش بن رياب ، وابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      أمها : أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم . وهي أخت حمنة ، وأبي أحمد . من المهاجرات الأول .

                                                                                      كانت عند زيد ، مولى النبي صلى الله عليه وسلم . وهي التي يقول الله فيها : وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها .

                                                                                      فزوجها الله - تعالى - بنبيه بنص كتابه ، بلا ولي ولا شاهد ، فكانت تفخر بذلك على أمهات المؤمنين ، وتقول : زوجكن أهاليكن ، وزوجني الله من فوق عرشه . [ ص: 212 ]

                                                                                      وفي رواية البخاري : كانت تقول : إن الله أنكحني في السماء .

                                                                                      وكانت من سادة النساء ، دينا وورعا وجودا ومعروفا رضي الله عنها .

                                                                                      وحديثها في الكتب الستة .

                                                                                      روى عنها : ابن أخيها محمد بن عبد الله بن جحش ، وأم المؤمنين أم حبيبة ، وزينب بنت أبي سلمة ، وأرسل عنها القاسم بن محمد .

                                                                                      توفيت في سنة عشرين وصلى عليها عمر .

                                                                                      محمد بن عمرو : حدثنا يزيد بن خصيفة ، عن عبد الله بن رافع ، عن برزة بنت رافع ، قالت : أرسل عمر إلى زينب بعطائها ، فقالت : غفر الله لعمر ، غيري كان أقوى على قسم هذا . قالوا : كله لك . قالت : سبحان الله ! واستترت منه بثوب وقالت : صبوه واطرحوا عليه ثوبا ، وأخذت تفرقه في رحمها ، وأيتامها ؛ وأعطتني ما بقي ؛ فوجدناه خمسة وثمانين درهما ، ثم رفعت يدها إلى السماء فقالت : اللهم لا يدركني عطاء عمر بعد عامي هذا .

                                                                                      أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر : لما ماتت بنت جحش أمر عمر [ ص: 213 ] مناديا : ألا يخرج معها إلا ذو محرم ، فقالت بنت عميس : يا أمير المؤمنين ، ألا أريك شيئا رأيت الحبشة تصنعه بنسائهم ؟ فجعلت نعشا وغشته ثوبا ، فقال : ما أحسن هذا وأستره ! فأمر مناديا ، فنادى : أن اخرجوا على أمكم . رواه عارم : حدثنا حماد : حدثنا أيوب . وهي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : أسرعكن لحوقا بي : أطولكن يدا وإنما عنى طول يدها بالمعروف .

                                                                                      قالت عائشة : فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا . وكانت زينب تعمل وتتصدق . والحديث مخرج في مسلم .

                                                                                      وروي عن عائشة قالت : كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ما رأيت امرأة خيرا في الدين من زينب ، أتقى لله ، [ ص: 214 ] وأصدق حديثا ، وأوصل للرحم ، وأعظم صدقة . رضي الله عنها .

                                                                                      وعن عمر : أنه قسم لأمهات المؤمنين في العام اثني عشر ألف درهم لكل واحدة ؛ إلا جويرية ، وصفية ، فقرر لكل واحدة نصف ذلك . قاله الزهري .

                                                                                      ابن جريج ، عن عطاء ، سمع عبيد بن عمير يقول : سمعت عائشة تزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ، ويشرب عندها عسلا ، فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا ما دخل عليها ، فلتقل : إني أجد منك ريح مغافير ! أكلت مغافير ! فدخل على إحداهما ، فقالت له ذلك . قال : بل شربت عسلا عند زينب ، ولن أعود له ، فنزل : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله : إن تتوبا - يعني : حفصة ، وعائشة . وإذ أسر النبي قوله : بل شربت عسلا . [ ص: 215 ]

                                                                                      وعن الأعرج ، قال : أطعم رسول الله زينب بنت جحش بخيبر مائة وسق .

                                                                                      ويروى عن عمرة ، عن عائشة ، قالت : يرحم الله زينب ، لقد نالت في الدنيا الشرف الذي لا يبلغه شرف ، إن الله زوجها ، ونطق به القرآن . وإن رسول الله قال لنا : أسرعكن بي لحوقا أطولكن باعا فبشرها بسرعة لحوقها به ، وهي زوجته في الجنة .

                                                                                      قلت : وأختها هي حمنة بنت جحش ، التي نالت من عائشة في قصة الإفك ، فطفقت تحامي عن أختها زينب . وأما زينب ، فعصمها الله بورعها .

                                                                                      وكانت حمنة زوجة عبد الرحمن بن عوف ، ولها هجرة . [ ص: 216 ]

                                                                                      وقيل : بل كانت تحت مصعب بن عمير ؛ فقتل عنها ، فتزوجها طلحة ، فولدت له محمدا ، وعمران .

                                                                                      وهي التي كانت تستحاض وكانت أختها أم حبيبة تستحاض أيضا . وأمهن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم : أميمة . قال السهيلي فيها : أم حبيب ، والأول أكثر ، وقال شيخنا الدمياطي ، أم حبيب ، واسمها : حبيبة .

                                                                                      وأما ابن عساكر ، فعنده : أن أم حبيبة ، هي حمنة المستحاضة .

                                                                                      وقال ابن عبد البر : بنات جحش : زينب ، وحمنة ، وأم حبيبة ، كن يستحضن .

                                                                                      وقال السهيلي : كانت حمنة تحت مصعب ؛ وكانت أم حبيب تحت عبد الرحمن بن عوف . وفي " الموطأ " وهم ، وهو أن زينب كانت تحت عبد الرحمن ، فقيل : هما زينبان .

                                                                                      إسماعيل بن أبي أويس : حدثني أبي ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه : يتبعني أطولكن يدا ، فكنا إذا اجتمعنا بعده نمد أيدينا في الجدار ، نتطاول ؛ فلم نزل نفعله حتى توفيت زينب ، وكانت امرأة قصيرة ، لم تكن - رحمها الله - أطولنا ؛ فعرفنا أنما أراد الصدقة . [ ص: 217 ]

                                                                                      وكانت صناع اليد ، فكانت تدبغ ، وتخرز ، وتصدق .

                                                                                      الواقدي : أخبرنا عبد الله بن عمر ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم : قالت زينب بنت جحش حين حضرتها الوفاة : إني قد أعددت كفني ؛ فإن بعث لي عمر بكفن ، فتصدقوا بأحدهما ؛ وإن استطعتم إذ أدليتموني أن تصدقوا بحقوتي ، فافعلوا .

                                                                                      وقيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج بزينب في ذي القعدة سنة خمس ، وهي يومئذ بنت خمس وعشرين سنة . وكانت صالحة ، صوامة ، قوامة ، بارة ، ويقال لها : أم المساكين .

                                                                                      سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس : أن رسول الله قال لزيد : اذكرها علي . قال : فانطلقت ، فقلت لها : يا زينب ، أبشري ، فإن رسول الله أرسل يذكرك . قالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي ، فقامت إلى مسجدها ، ونزل القرآن ، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل عليها بغير إذن .

                                                                                      عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر ، عن عبد الله بن شداد أن رسول الله قال لعمر : إن زينب بنت جحش أواهة . قيل : يا رسول الله ، ما الأواهة ؟ قال : الخاشعة ، المتضرعة ؛ و إن إبراهيم لحليم أواه منيب [ ص: 218 ] ولزينب أحد عشر حديثا ، اتفقا لها على حديثين . وعن عثمان بن عبد الله الجحشي ، قال : باعوا منزل زينب بنت جحش من الوليد بخمسين ألف درهم ، حين هدم المسجد .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية