الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      غندر ( ع )

                                                                                      محمد بن جعفر ، الحافظ ، المجود ، الثبت أبو عبد الله الهذلي ، [ ص: 99 ] مولاهم البصري الكرابيسي التاج ، أحد المتقنين .

                                                                                      ولد سنة بضع عشرة ومائة .

                                                                                      وروى عن : حسين المعلم ، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند ، وعوف الأعرابي ، وابن جريج ، وجعفر بن ميمون الأنماطي ، ومعمر ، وسعيد بن أبي عروبة ، وشعبة فأكثر عنه ، وجود ، وحرر .

                                                                                      روى عنه : علي بن المديني ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وابن راهويه وأبو بكر بن أبي شيبة ، وعمرو بن علي ، ومحمد بن بشار ، ومحمد بن المثنى ، ومحمد بن الوليد البسري ، وإبراهيم بن محمد بن عرعرة ، وخليفة بن خياط ، وسليمان بن أيوب صاحب البصري ، وأحمد بن منيع ، والعباس بن يزيد البحراني ، ويحيى بن حكيم المقوم ، ونصر بن علي ، وخلق كثير .

                                                                                      قال يحيى بن معين : كان أصح الناس كتابا ، وأراد بعض الناس أن يخطئ غندرا ، فلم يقدر .

                                                                                      قال أحمد بن حنبل : قال غندر : لزمت شعبة عشرين سنة .

                                                                                      قلت : ما أظنه رحل في الحديث من البصرة ، وابن جريج هو الذي سماه غندرا وذلك ; لأنه تعنت ابن جريج في الأخذ ، وشغب عليه أهل الحجاز ، فقال : ما أنت إلا غندر .

                                                                                      قال يحيى بن معين : أخرج غندر إلينا ذات يوم جرابا فيه كتب ، فقال : اجهدوا أن تخرجوا فيها خطأ ، قال : فما وجدنا فيه شيئا ، وكان يصوم [ ص: 100 ] يوما ، ويفطر يوما منذ خمسين سنة .

                                                                                      قال عبد الرحمن بن مهدي : كنا نستفيد من كتب غندر في حياة شعبة .

                                                                                      وقيل : كان غندر يتجر في الطيالسة وفي الكرابيس وكان من خيار أصحاب الحديث ومجوديهم . وقيل : كان مغفلا .

                                                                                      قال الحسين بن منصور النيسابوري : سمعت علي بن عثام يقول : أتيت غندرا - فذكر من فضله وعلمه بحديث شعبة - فقال لي : هات كتابك . فأبيت إلا أن يخرج كتابه ، فأخرجه ، وقال : يزعم الناس أني اشتريت سمكا ، فأكلوه ، ولطخوا به يدي ، وأنا نائم ، فلما استيقظت ، طلبته ، فقالوا لي : أكلت ، فشم يدك . أفما كان يدلني بطني ؟ ثم قال ابن عثام : وكان مغفلا .

                                                                                      قال علي بن المديني : هو أحب إلي في شعبة من عبد الرحمن بن مهدي .

                                                                                      وقال ابن مهدي : غندر في شعبة أثبت مني .

                                                                                      وروى سلمة بن سليمان ، عن ابن المبارك ، قال : إذا اختلف الناس في حديث شعبة ، فكتاب غندر حكم بينهم .

                                                                                      قال أبو حاتم الرازي : كان غندر صدوقا مؤديا ، وفي حديث شعبة ثقة ، وأما في غير شعبة ، فيكتب حديثه ، ولا يحتج به . [ ص: 101 ]

                                                                                      وروى عباس عن يحيى بن معين قال : كان غندر يجلس على رأس المنارة يفرق زكاته ، فقيل له : لم تفعل هذا ؟ قال : أرغب الناس في إخراج الزكاة . فاشترى سمكا ، وقال لأهله : أصلحوه ، ونام ، فأكل عياله السمك ، ولطخوا يده ، فلما انتبه ، قال : هاتوا السمك . قالوا : قد أكلت . فقال : لا . قالوا : فشم يدك . ففعل ، ثم قال : صدقتم ، ولكن ما شبعت .

                                                                                      ابن المرزبان : حدثنا أبو محمد المروزي ، حدثنا عبد الله بن بشر ، عن سليمان بن أيوب صاحب البصري قال : قلت لغندر : إنهم يعظمون ما فيك من السلامة . قال : يكذبون علي . قلت : فحدثني بشيء يصح منها ، قال : صمت يوما ، فأكلت فيه ثلاث مرات ناسيا ، ثم أتممت صومي .

                                                                                      ونقل ابن مروان في المجالسة قال : حدثنا جعفر بن أبي عثمان : سمعت يحيى بن معين يقول : دخلنا على غندر ، فقال : لا أحدثكم بشيء حتى تجيئوا معي إلى السوق وتمشون ، فيراكم الناس ، فيكرموني . قال : فمشينا خلفه إلى السوق ، فجعل الناس يقولون له : من هؤلاء يا أبا عبد الله ؟ فيقول : هؤلاء أصحاب الحديث ، جاءوني من بغداد يكتبون عني .

                                                                                      قال يحيى بن معين : والتفت غندر يوما إلي ، فقال : اعلم أني منذ خمسين سنة أصوم يوما ، وأفطر يوما .

                                                                                      قلت : اتفق أرباب الصحاح على الاحتجاج بغندر .

                                                                                      وكانت وفاته في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين ومائة وهو في عشر الثمانين - رحمه الله - .

                                                                                      أخبرنا عمر بن غدير الطائي : أخبرنا عبد الصمد بن محمد حضورا ، [ ص: 102 ] أخبرنا علي بن المسلم ، أخبرنا الحسين بن محمد القرشي ، أخبرنا محمد بن أحمد الغساني ، أخبرنا أبو روق أحمد بن محمد بالبصرة ، حدثنا محمد بن الوليد البسري ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، عن مالك ، عن عبد الله بن الفضل ، عن نافع بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن في نفسها ، وإذنها صماتها ورواه صالح بن كيسان وزياد بن سعد عن ابن الفضل هذا . أخرجه الستة سوى البخاري من حديث الثلاثة عنه .

                                                                                      أخبرنا أحمد بن عبد الحميد في سنة اثنتين وتسعين وستمائة وجماعة قالوا : أخبرنا عبد الرحمن بن نجم سنة سبع وعشرين ، أخبرتنا شهدة الكاتبة ، أخبرنا الحسين بن طلحة ، وأخبرنا أحمد بن المؤيد ، أخبرنا محمد بن هبة الله بن عبد العزيز الدينوري ، أخبرنا عمي أبو بكر محمد ، أخبرنا عاصم بن الحسن ، قالا : أخبرنا أبو عمر بن مهدي ، أخبرنا الحسين بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن الوليد ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن خالد الحذاء ، عن أبي بشر ، عن حمران بن أبان ، عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية