الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 37 ] 133

ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين ومائة

ذكر ملك الروم ملطية

في هذه السنة أقبل قسطنطين ، ملك الروم ، إلى ملطية وكمخ ، فنازل كمخ ، فأرسل أهلها إلى أهل ملطية يستنجدونهم ، فسار إليهم منها ثمانمائة مقاتل ، فقاتلهم الروم ، فانهزم المسلمون ، ونازل الروم ملطية وحصروها ، والجزيرة يومئذ مفتونة بما ذكرناه ، وعاملها موسى بن كعب بحران .

فأرسل قسطنطين إلى أهل ملطية : إني لم أحصركم إلا على علم من المسلمين واختلافهم ، فلكم الأمان وتعودون إلى بلاد المسلمين حتى أحترث ملطية . فلم يجيبوه إلى ذلك ، فنصب المجانيق ، فأذعنوا وسلموا البلاد على الأمان ، وانتقلوا إلى بلاد الإسلام ، وحملوا ما أمكنهم حمله ، وما لم يقدروا على حمله ألقوه في الآبار والمجاري .

فلما ساروا عنها أخربها الروم ورحلوا عنها عائدين ، وتفرق أهلها في بلاد الجزيرة ، وسار ملك الروم إلى قاليقلا ، فنزل مرج الحصى ، وأرسل كوشان الأرمني فحصرها ، فنقب إخوان من الأرمن من أهل المدينة ردما كان في سورها ، فدخل كوشان [ ص: 38 ] ومن معه المدينة وغلبوا عليها ، وقتلوا رجالها ، وسبوا النساء ، وساق القائم إلى ملك الروم .

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة وجه السفاح عمه سليمان بن علي واليا على البصرة ، وأعمالها وكور دجلة والبحرين وعمان ومهرجانقذق ، واستعمل عمه إسماعيل بن علي على الأهواز

وفيها قتل داود بن علي من ظفر به من بني أمية بمكة والمدينة ، ولما أراد قتلهم قال له عبد الله بن الحسن بن الحسن : يا أخي إذا قتلت هؤلاء فمن تباهي بملكه ؟ أما يكفيك أن يروك غاديا ورائحا فيما يذلهم ويسوؤهم ؟ فلم يقبل منه وقتلهم .

وفيها مات داود بن علي بالمدينة في شهر ربيع الأول ، واستخلف حين حضرته الوفاة ابنه موسى ، ولما بلغت السفاح وفاته استعمل على مكة والمدينة والطائف واليمامة خاله زياد بن عبد الله بن عبد المدان الحارثي .

ووجه محمد بن يزيد بن عبد الله بن عبد المدان على اليمن . فلما قدم زياد المدينة وجه إبراهيم بن حسان السلمي ، وهو أبو حماد الأبرص بن المثنى ، إلى يزيد بن عمر بن هبيرة ، وهو باليمامة ، فقتله وقتل أصحابه .

وفيها توجه محمد بن الأشعث إلى إفريقية فقاتل أهلها قتالا شديدا حتى فتحها .

[ ص: 39 ] وفيها خرج شريك بن شيخ المهري ببخارى على أبي مسلم ، ونقم عليه ، وقال : ما على هذا اتبعنا آل محمد ، أن تسفك الدماء وأن يعمل بغير الحق ! وتبعه على رأيه أكثر من ثلاثين ألفا ، فوجه إليه أبو مسلم زياد بن صالح الخزاعي فقاتله ، وقتله زياد .

وفيها توجه أبو داود خالد بن إبراهيم إلى الختل فدخلها ، ولم يمتنع عليه حبيش بن الشبل ملكها بل تحصن منه هو وأناس من الدهاقين ، فلما ألح عليه أبو داود خرج من الحصن هو ومن معه من دهاقينه وشاكريته حتى انتهوا إلى أرض فرغانة ، ثم دخلوا بلد الترك ، وانتهوا إلى ملك الصين ، وأخذ أبو داود من ظفر به منهم ، فبعث بهم إلى أبي مسلم ،

وفيها قتل عبد الرحمن بن يزيد بن المهلب بالموصل ، قتله سليمان الذي يقال له الأسود بأمان كتبه له .

وفيها وجه صالح بن علي سعيد بن عبد الله ليغزو الصائفة وراء الدروب .

( وفيها عزل يحيى بن محمد عن الموصل ، واستعمل مكانه إسماعيل بن علي . وإنما عزل يحيى لقتله أهل الموصل ) ، وسوء أثره فيهم .

وحج بالناس هذه السنة زياد بن عبيد الله الحارثي . وكان العمال من ذكرنا إلا الحجاز واليمن والموصل ، فقد ذكرنا من استعمل عليها .

[ ص: 40 ] وفيها تخالف إخشيد فرغانة وملك الشاش ، فاستمد إخشيد ملك الصين فأمده بمائة ألف مقاتل ، فحصروا ملك الشاش ، فنزل على حكم ملك الصين ، فلم يتعرض له ولأصحابه بما يسوؤهم .

وبلغ الخبر أبا مسلم فوجه إلى حربهم زياد بن صالح ، فالتقوا على نهر طراز فظفر بهم المسلمون ، وقتلوا منهم زهاء خمسين ألفا ، وأسروا نحو عشرين ألفا ، وهرب الباقون إلى الصين ، وكانت الوقعة في ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثين .

[ الوفيات ]

وفيها توفي مروان بن أبي سعيد . وابن المعلى الزرقي الأنصاري . وعلي بن بذيمة مولى جابر بن سمرة السوائي . ( بذيمة بفتح الباء الموحدة ، وكسر الذال المعجمة ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية