الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      فصل صح عن الشافعي - رحمه الله - أنه قال : إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا قولي ، وروي عنه : إذا صح الحديث خلاف قولي فاعملوا بالحديث واتركوا قولي ، أو قال : فهو مذهبي ، وروي هذا المعنى بألفاظ مختلفة . وقد عمل بهذا أصحابنا في مسألة التثويب واشتراط التحلل من الإحرام بعذر المرض وغيرهما ، مما هو معروف في كتب المذهب . وقد حكى المصنف ذلك عن الأصحاب فيهما . وممن حكى عنه أنه أفتى بالحديث من أصحابنا أبو يعقوب البويطي [ ص: 105 ] وأبو القاسم الداركي ، وممن نص عليه أبو الحسن إلكيا الطبري في كتابه في أصول الفقه ، وممن استعمله من أصحابنا المحدثين الإمام أبو بكر البيهقي وآخرون ، وكان جماعة من متقدمي أصحابنا إذا رأوا مسألة فيها حديث ، ومذهب الشافعي خلافه عملوا بالحديث ، وأفتوا به قائلين : مذهب الشافعي ما وافق الحديث ، ولم يتفق ذلك إلا نادرا ، ومنه ما نقل عن الشافعي فيه قول على وفق الحديث . وهذا الذي قاله الشافعي ليس معناه أن كل واحد رأى حديثا صحيحا قال : هذا مذهب الشافعي وعمل بظاهره ، وإنما هذا فيمن له رتبة الاجتهاد في المذهب على ما تقدم من صفته أو قريب منه ، وشرطه : أن يغلب على ظنه أن الشافعي - رحمه الله - لم يقف على هذا الحديث أو لم يعلم صحته ، وهذا إنما يكون بعد مطالعة كتب الشافعي كلها ونحوها من كتب أصحابه الآخذين عنه وما أشبهها .

                                      وهذا شرط صعب قل من يتصف به ، وإنما اشترطوا ما ذكرنا ; لأن الشافعي - رحمه الله - ترك العمل بظاهر أحاديث كثيرة رآها وعلمها ، لكن قام الدليل عنده على طعن فيها أو نسخها أو تخصيصها أو تأويلها أو نحو ذلك .

                                      قال الشيخ أبو عمرو - رحمه الله - : ليس العمل بظاهر ما قاله الشافعي بالهين ، فليس كل فقيه يسوغ له أن يستقل بالعمل بما يراه حجة من الحديث ، وفيمن سلك هذا المسلك من الشافعيين من عمل بحديث تركه الشافعي - رحمه الله - عمدا ، مع علمه بصحته لمانع اطلع عليه وخفي على [ ص: 106 ] غيره ، كأبي الوليد ( 1 ) موسى بن أبي الجارود ممن صحب الشافعي ، قال : صح حديث { أفطر الحاجم والمحجوم } ، فأقول : قال الشافعي : أفطر الحاجم والمحجوم ، فردا ذلك على أبي الوليد ; لأن الشافعي تركه مع علمه بصحته ، لكونه منسوخا عنده ، وبين الشافعي نسخه واستدل عليه ، وستراه في ( كتاب الصيام ) إن شاء الله تعالى ، وقد قدمنا عن ابن خزيمة أنه قال : لا أعلم سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام لم يودعها الشافعي كتبه . وجلالة ابن خزيمة وإمامته في الحديث والفقه ، ومعرفته بنصوص الشافعي بالمحل المعروف .

                                      قال الشيخ أبو عمرو : فمن وجد من الشافعية حديثا يخالف مذهبه نظر إن كملت آلات الاجتهاد فيه مطلقا ، أو في ذلك الباب أو المسألة كان له الاستقلال بالعمل به . وإن لم يكمل وشق عليه مخالفة الحديث بعد أن بحث . فلم يجد لمخالفته عنه جوابا شافيا ، فله العمل به إن كان عمل به إمام مستقل غير الشافعي ، ويكون هذا عذرا له في ترك مذهب إمامه هنا ، وهذا الذي قاله حسن متعين والله أعلم .

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية