الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 372 ] 37 - قالوا : حديث يكذبه النظر

        رجم قردة في زنا

        قالوا : رويتم أن قرودا رجمت قردة في زنا ، فإن كانت القرود إنما رجمتها في الإحصان فذلك أطرف الحديث ، وعلى هذا القياس فإنكم لا تدرون لعل القرود تقيم من أحكام التوراة أمورا كثيرة ، ولعل دينها اليهودية بعد .

        ، وإن كانت القرود يهودا فلعل الخنازير نصارى .

        قال أبو محمد : ونحن نقول في جواب هذا الاستهزاء : إن حديث القرود ليس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه ، وإنما هو شيء ذكر عن عمرو بن ميمون .

        حدثني محمد بن خالد بن خداش قال : حدثنا مسلم بن قتيبة ، عن هشيم ، عن حصين ، عن عمرو بن ميمون قال : زنت قردة في الجاهلية فرجمتها القرود ورجمتها معهم .

        قال أبو محمد : وقد يمكن أن يكون رأى القرود ترجم قردة ، فظن أنها ترجمها لأنها زنت ، وهذا لا يعلمه أحد إلا ظنا ؛ لأن القرود لا تنبئ عن أنفسها ، والذي يراها تتسافد لا يعلم أزنت أم لم تزن ؟ هذا ظن ، ولعل الشيخ عرف أنها زنت بوجه من الدلائل لا نعلمه ، فإن القرود [ ص: 373 ] أزنى البهائم ، والعرب تضرب بها المثل فتقول : أزنى من قرد . ولولا أن الزنا منه معروف ما ضربت به المثل ، وليس شيء أشبه بالإنسان في الزواج والغيرة منه .

        والبهائم قد تتعادى ويثب بعضها على بعض ويعاقب بعضها بعضا ، فمنها ما يعض ، ومنها ما يخدش ، ومنها ما يكسر ويحطم ، والقرود ترجم بالأكف التي جعلها الله لها كما يرجم الإنسان .

        فإن كان إنما رجم بعضها بعضا لغير زنا فتوهمه الشيخ لزنا ، فليس هذا ببعيد ، وإن كان الشيخ استدل على الزنا منها بدليل وعلى أن الرجم كان من أجله ، فليس ذلك أيضا ببعيد ؛ لأنها على ما أعلمتك أشد البهائم غيرة وأقربها من بني آدم أفهاما .

        قال أبو محمد : وأنا أظن أنها الممسوخ بأعيانها توالدت .

        واستدللت على ذلك بقول الله - عز وجل قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير فدخول الألف واللام في القردة والخنازير يدل على المعرفة ، وعلى أنها هي القردة التي نعاين ، [ ص: 374 ] ولو كان أراد شيئا انقرض ومضى لقال : وجعل منهم قردة وخنازير .

        إلا أن يصح حديث أم حبيبة في الممسوخ فيكون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .

        ولسنا نقول : إنها فعلت ذلك لأنها علمت بحكم التوراة كما يقول المستهزئ .

        ولكنا نقول : إنها عاقبت بالرجم ، إما على الزنا أو على غير ذلك من أجل أكفها ، كما يخدش غيرها ويعض ويكسر إذا كانت أكفها كأكف بني آدم ، وكان ابن آدم لا ينال ما يريد أذاه إذا بعد عنه إلا بالرجم ، ومما يزيد في الدلالة على أن القرود هي الممسوخ بأعيانها إجماع الناس على تحريمها بغير كتاب ولا أثر ، كما أجمعوا على تحريم لحوم الناس بغير كتاب ولا أثر .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية