الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            كتاب التدبير

                                                                                                                            هو لغة : النظر في عواقب الأمور .

                                                                                                                            وشرعا : تعليق عتق بالموت وحده أو مع شيء قبله ، سمي به لأن الموت دبر الحياة ، ولا يرد عليه العتق من رأس المال في إن مت فأنت حر قبل موتي بشهر فمات فجأة لأنه ليس فيه [ ص: 397 ] تعليق بالموت وإنما يتبين به أنه عتق قبله .

                                                                                                                            الأصل فيه قبل الإجماع { تقريره صلى الله عليه وسلم لمن دبر غلاما لا يملك غيره عليه } .

                                                                                                                            وأركانه : مالك ، ويعتبر فيه تكليف إلا السكران ، واختيار ومحل ، ويعتبر فيه كونه قنا غير أم ولد كما يعلمان مما يأتي ; وصيغة ، وشرطها الإشعار به لفظا كانت أو كتابة أو إشارة ، وهي صريح أو كناية ، و ( صريحه ) ألفاظ ، منها ( أنت حر بعد موتي أو إذا مت أو متى مت فأنت حر ) أو عتيق ( أو أعتقتك ) أو حررتك ( بعد موتي ) ونحو ذلك من كل ما لا يحتمل غيره ، وما نازع به البلقيني في أعتقتك أو حررتك من أنه وعد ، نحو إن أعطيتني ألف درهم طلقتك رد بأن ما بعد الموت لا يحتمل الوعد ، بخلاف ما في الحياة ( وكذا دبرتك أو أنت مدبر على المذهب ) إذ التدبير معروف في الجاهلية وقرره الشرع واشتهر معناه فلا يستعمل في غيره وبه فارق ما يأتي في كاتبتك أنه لا بد أن ينضم إليه ، فإذا أديت فأنت حر أو نحوه ، ولأنها قد تستعمل في المخارجة وقيل فيهما قولان نقلا وتخريجا .

                                                                                                                            أحدهما أنهما صريحان ، والثاني كنايتان لخلوهما عن لفظ الحرية والعتق ، ويصح تدبير نحو نصفه ، وإذا مات السيد عتق ذلك الجزء ولا سراية ، وفي دبرت يدك مثلا وجهان : أصحهما أنه تدبير صحيح في جميعه لأن كل تصرف قبل التعليق تصح إضافته إلى بعض محله وما لا فلا ، وظاهر أنه لو لفظ بصريح التدبير عجمي لا يعرف معناه لم يصح وأنه لو كسر التاء للمذكر وفتحها للمؤنث لم يضر ( ويصح بكناية عتق ) وهي ما يحتمل التدبير وغيره ( مع نية كخليت سبيلك بعد موتي ) أو إذا مت فأنت حر ونحو ذلك لأنه نوع من العتق فدخلته كنايته .

                                                                                                                            ومنها صريح الوقف كحبستك بعد موتي وعلم منه اعتبار مقارنتها للفظ ، ويأتي فيه ما مر في الطلاق وأن كنايات العتق كناية فيه وأن اشتهارها في الاستعمال لا يلحقها بالصريح ( ويجوز مقيدا ) ( كإن مت في ذا الشهر أو ) هذا ( المرض فأنت حر ) فإن وجدت الصفة المذكورة ومات عتق وإلا فلا ، ونبه بقوله في ذا الشهر على أنه لا بد لصحته من إمكان وجود ما قيد به ، فلو قال : إن مت بعد ألف سنة فأنت حر لم يكن تدبيرا كما قاله في البحر ، ونقله الزركشي وأقره وهو ظاهر ، ويشهد له نظائره ( ومعلقا ) على شرط ( كإن دخلت ) الدار ( فأنت حر بعد موتي ) لأنه إما وصية أو تعليق عتق بصفة وكل منهما يقبل التعليق ( فإن وجدت الصفة ومات عتق وإلا ) بأن لم توجد ( فلا ) يعتق ( ويشترط الدخول قبل موت السيد ) كسائر الصفات المعلق عليها ، وإن مات السيد قبل الدخول فلا تدبير ويلغى التعليق ، وقد علم أنه لا يصير مدبرا إلا بعد الدخول ( فإن ) ( قال إن ) أو [ ص: 398 ] إذا ( مت ثم دخلت فأنت حر ) كان تعليق عتق على صفة و ( اشترط دخول بعد موت ) عملا بمقتضى ثم ولو أتى بالواو كإن مت ودخلت فأنت حر فكذلك ، إلا أن يريد الدخول قبله فيتبع ، وهذا ما نقله في الروضة عن البغوي .

                                                                                                                            قال الإسنوي : ونقل عنه أيضا قبيل الخلع ما يوافقه وهو المعتمد وإن خالف في الطلاق فجزم فيما لو قال إن دخلت الدار وكلمت زيدا فأنت طالق بأنه لا فرق بين تقدم الأول وتأخره ، ثم قال : وأشار في التتمة إلى وجه اشتراط تقدم الأول بناء على أن الواو تقتضي الترتيب ، وقول الزركشي إن الصواب عدم الاشتراط هنا كما هناك وإلا فما الفرق ، يرد بأن الفرق أن الصفتين المعلق عليهما الطلاق من فعله فخير بينهما تقديما وتأخيرا .

                                                                                                                            وأما الصفة الأولى في مسألتنا ليست من فعله ، وذكر التي من فعله عقبها يشعر بتأخرها عنها ( وهو ) أي الدخول بعد الموت ( على التراخي ) بمعنى أنه لا يشترط فيه الفور لا أنه يشترط فيه التراخي وإن كان قضية ثم ، لكن وجهه أن خصوص التراخي لا غرض فيه يظهر غالبا فألغي النظر إليه بخلاف الفور في الفاء ، إذ لو عبر بها اشترط اتصال الدخول بالموت ، ولو قال إذا مت فأنت حر إن دخلت أو إن شئت ونوى شيئا عمل به وإلا حمل على الدخول أو المشيئة عقب الموت لأنه السابق إلى الفهم من تأخير المشيئة عن ذكره ( وليس للوارث بيعه ) ونحوه من كل مزيل للملك ( قبل الدخول ) وعرضه عليه ، إذ ليس له إبطال تعليق الميت وإن كان للميت أن يبطله ، كما لو أوصى لرجل بشيء ثم مات ليس للوارث بيعه وإن كان للموصي أن يبيعه ، ولو نجز عتقه هل يعتق أو لا ذهب بعضهم إلى ذلك ، والأوجه عدمه حيث كان يخرج كله من الثلث لما يلزم عليه من إبطال الولاء للميت وهو مقصود .

                                                                                                                            أما ما لا يزيل الملك كإيجار فله ذلك .

                                                                                                                            وأما لو عرض عليه الدخول فامتنع فله بيعه لا سيما حيث كان عاجزا لا منفعة [ ص: 399 ] فيه إذ يصير كلا عليه

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            كتاب التدبير

                                                                                                                            ( قوله : أو مع شيء قبله ) أي أما تعليقه بالموت مع شيء بعده فتعليق عتق بصفة كما يأتي ( قوله : فمات فجأة ) [ ص: 397 ] أي أو بمرض لا يستغرق شهرا كما يؤخذ ذلك من قوله في الفصل الآتي عند قول المتن ويعتق من الثلث والحيلة في عتق جميعه بعد الموت . . . إلخ ( قوله : واختيار ) ينبغي أن محل اشتراط الاختيار ما لم ينذره فإن نذر فأكره على ذلك صح تدبيره ( قوله : وما نازع به البلقيني في أعتقتك ) أي المسبوق بقوله إذا مت كما هو الفرض ( قوله : من أنه وعد ) أي فيكون لغوا ( قوله : ولأنها قد تستعمل ) أي الكتابة ( قوله : وتخريجا ) أي من الكتابة ( قوله : وما لا فلا ) أي إلا الكتابة فإنه لا يصح تعليقها وتصح إضافتها إلى جزء لا يعيش بدونه ( قوله لم يصح ) أي فيشترط هنا كالطلاق قصد اللفظ لمعناه ( قوله : ومنها صريح الوقف ) قضيته أن كنايته ليست في العتق ، وقياس كناية الطلاق أنها كناية هنا ( قوله : ويأتي فيه ما مر في الطلاق ) والمعتمد منه الاكتفاء بمقارنتها بعض الصيغة ( قوله : أو هذا المرض ) أي سواء كان الموت بالمرض أو بغيره فيه كأن انهدم عليه جدار ( قوله : ويشهد له نظائر ) كما لو أقت نكاحها بألف سنة [ ص: 398 ] قوله : فكذلك ) أي اشترط دخول بعد الموت ( قوله وأشار في التتمة إلى وجه اشتراط تقدم الأول ) أي هنا وهو الموت في قوله كإن مت ( قوله : أن الصفتين المعلق عليهما الطلاق من فعله ) أي المعلق المتبادر منه أنهما من فعل المتكلم فتكون الصيغة إن كلمت بضم التاء ، وقضية قوله : بعد وأما الصفة الأولى . . . إلخ تقتضي خلافه فإن الدخول فيهما من فعل العبد ، فلعل المراد هنا من قبله : يعني من فعل المعلق على فعله وهو المرأة .

                                                                                                                            ( قوله : وأما الصفة الأولى ) هي الموت ( قوله ونوى شيئا ) أي من الفور أو التراخي ، ويعلم ذلك منه بأن يخبر به قبل موته ( قوله : أو المشيئة عقب الموت ) أي فورا ( قوله : من تأخير المشيئة ) وعليه فلو قدم ذكر المشيئة على الدخول هل يكون الحكم كذلك ؟ فيه نظر ، وقضية قوله الآتي أما لو صرح بوقوعها بعد الموت أو نواه فيشترط وقوعها بعده بلا فور أنه هنا كذلك ( قوله : من كل مزيل للملك ) قال سم على حج نقلا عن طب إنه يحرم عليه وطؤها أيضا لاحتمال أن تصير مستولدة من الوارث فيتأخر إعتاقها ( قوله : وعرضه عليه ) أي من الوارث ( قوله : ولو نجز ) أي الوارث ، وقوله هل يعتق : أي عنه ، وقوله إلى ذلك أي المعتق عنه ( قوله : والأوجه عدمه ) أي العتق ( قوله : فله ذلك ) ظاهره وإن طالت المدة ، ثم بعد الإجارة لو وجدت الصفة المعلق عليها هل تنفسخ الإجارة من حينئذ أو لا ، وإذا قيل بعدم الانفساخ فهل الأجرة للوارث أو للعتيق لانقطاع تعلق الوارث به فيه نظر ، والأقرب الانفساخ من حينئذ لأنه تبين أنه لا يستحق المنفعة بعد موته ( قوله : فله بيعه ) أي ما لم يرجع ا هـ حج بأن يريد الدخول بعد امتناعه منه ، [ ص: 399 ] والمراد الرجوع قبل بيعه وإن تراخى



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 396 ] كتاب التدبير ( قوله : أو مع شيء قبله ) أي بخلافه مع شيء بعده فإنه تعليق عتق بصفة كما سيأتي ( قوله : سمي به لأن الموت . . . إلخ ) [ ص: 397 ] في التحفة قبل هذا ما نصه : من الدبر : أي التدبير مأخوذ عن الدبر سمي به . . . إلخ ، ووجه التسمية عليه ظاهر ( قوله : ومات ) ينبغي حذفه إذ الصفة هو موته في الشهر أو المرض المشار إليهما كما لا يخفى ( قوله : وكل منهما يقبل التعليق ) مثال تعليق التعليق ما مر في باب الطلاق في نحو إن أكلت إن دخلت .

                                                                                                                            فالأول معلق على الثاني ومن ثم [ ص: 398 ] لا تطلق إلا إن فعلت الأول بعد الثاني كما مر ( قوله : كان تعليق عتق بصفة ) أي لا تدبيرا كما سيأتي ( قوله : أن الصفتين المعلق عليهما الطلاق من فعله ) كان الظاهر أن يقول من فعلها ، ويجوز جعل الضمير للمعلق فتكون التاء في كلمت ودخلت مضمومة ( قوله : ولو نجز عتقه ) أي الوارث




                                                                                                                            الخدمات العلمية