الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 637 ] كتاب الأيمان والنذور

                                        360 - الحديث الأول : عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يا عبد الرحمن بن سمرة ، لا تسأل الإمارة ، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها ، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها ، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها ، فكفر عن يمينك ، وأت الذي هو خير . }

                                        التالي السابق


                                        فيه مسائل : الأولى : ظاهره يقتضي كراهية سؤال الإمارة مطلقا ، والفقهاء تصرفوا فيه بالقواعد الكلية ، فمن كان متعينا للولاية وجب عليه قبولها إن عرضت عليه ، وطلبها إن لم تعرض ; لأنه فرض كفاية ، لا يتأدى إلا به فيتعين عليه القيام به ، وكذا إذا لم يتعين ، وكان أفضل من غيره ، ومنعنا ولاية الفضول مع وجود الفاضل . وإن كان غيره أفضل منه ، ولم نمنع تولية المفضول مع وجود الفاضل فههنا يكره له أن يدخل في الولاية ، وأن يسألها ، وحرم بعضهم الطلب وكره للإمام أن يوليه ، وقال : إن ولاه انعقدت ولايته ، وقد استخطئ فيما قال . ومن الفقهاء من أطلق القول بكراهية القضاء ، لأحاديث وردت فيه .

                                        المسألة الثانية : لما كان خطر الولاية عظيما ، بسبب أمور في الوالي ، وبسبب أمور خارجة عنه كان طلبها تكلفا ، ودخولا في غرر عظيم ، فهو جدير [ ص: 638 ] بعدم العون ، ولما كانت إذا أتت من غير مسألة لم يكن فيها هذا التكلف كانت جديرة بالعون على أعبائها وأثقالها ، وفي الحديث إشارة إلى ألطاف الله تعالى بالعبد بالإعانة على إصابة الصواب في فعله وقوله ، تفضلا زائدا على مجرد التكليف والهداية إلى النجدين ، هي مسألة أصولية ، كثر فيها الكلام في فنها ، والذي يحتاج إليه في الحديث ما أشرنا إليه الآن .



                                        المسألة الثالثة : للحديث تعلق بالتكفير قبل الحنث ، ومن يقول بجوازه قد يتعلق بالبداءة بقوله عليه السلام { فكفر عن يمينك ، وأت الذي هو خير } وهذا ضعيف ; لأن الواو لا تقتضي الترتيب ، والمعطوف والمعطوف عليه بها كالجملة الواحدة . وليس بجيد طريقة من يقول في مثل هذا إن الفاء تقضي الترتيب والتعقيب ، فيقتضي ذلك أن يكون التكفير مستعقبا لرؤية الخير في الحنث ، فإذا استعقبه التكفير تأخر الحنث ضرورة ، وإنما قلنا " إنه ليس بجيد " لما بيناه من حكم الواو فلا فرق بين قولنا " فكفر ، وأت الذي هو خير " وبين قولنا " فافعل هذين " ، ولو قال كذلك لم يقتض ترتيبا ولا تقديما ، فكذلك إذا أتى بالواو . وهذه الطريقة التي أشرنا إليها ذكرها بعض الفقهاء في اشتراط الترتيب في الوضوء ، وقال : إن الآية تقتضي تقديم غسل الوجه ، بسبب الفاء ، وإذا وجب تقديم غسل الوجه وجب الترتيب في بقية الأعضاء اتفاقا ، وهو ضعيف لما بيناه .



                                        المسألة الرابعة : يقتضي الحديث تأخير مصلحة الوفاء بمقتضى اليمين إذا كان غيره خيرا ، بنصه . وأما مفهومه : فقد يشير بأن الوفاء بمقتضى اليمين عند عدم رؤية الخير في غيرها مطلوب ، وقد تنازع المفسرون في معنى قوله تعالى : ( ) { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا } وحمله بعضهم على ما دل عليه الحديث ، ويكون معنى " عرضة " أي مانعا ، و " أن تبروا " بتقدير : ما أن تبروا .




                                        الخدمات العلمية