الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق العاشر والمائتان بين قاعدة ما يرد من القراض الفاسد إلى قراض المثل وبين قاعدة ما يرد منه إلى أجرة المثل )

اعلم أن الأصل الرد إلى قراض المثل كسائر أبواب الفقه ، ولأنه العمل الذي دخل عليه قال القاضي عياض في التنبيهات مذهب المدونة أن الفاسد من القراض يرد إلى أجرة مثله إلا في تسع مسائل القراض بالعروض ، وإلى أجل ، وعلى الضمان ، والمبهم ، وبدين يقتضيه من أجنبي ، وعلى شرك في المال ، وعلى أنه لا يشتري إلا بالدين فاشترى بالنقد ، وعلى أنه لا يشتري إلا سلعة معينة لما لا يكثر وجوده فاشترى غيرها ، وعلى أن يشتري عبد فلان بمال القراض ثم يبيعه ، ويتجر بثمنه ، وألحق بالتسعة عاشرة من غير الفاسد ففي الكتاب إذا اختلفا وأتيا بما لا يشبه له قراض المثل ، والضابط كل منفعة اشترطها أحدهما على صاحبه ليست خارجة عن المال ، ولا خالصة لمشترطها ، ومتى كانت خارجة عن المال أو كانت غررا حراما فأجرة المثل فعلى هذه الأمور الثلاثة تدور المسائل ، وعن مالك قراض المثل مطلقا .

وقال الشافعي وأبو حنيفة وعبد الملك بالأجرة مطلقا نظرا لاستيفاء العمل بغير عقد صحيح وإلغاء الفاسد بالكلية قال صاحب القبس فيها خمسة أقوال ثالثها لابن القاسم إن كان الفساد في العقد فقراض المثل أو لزيادة فأجرة المثل ورابعها لمحمد الأقل من قراض المثل المسمى وخامسها تفصيل ابن القاسم ، وقد نظم بعضهم مسائل ابن القاسم فقال :

وأجرة مثل في القراض تعينت سوى تسعة قد خالف الشرع حكمه     قراض عروض واشتراط ضمانه
وتحديد وقت والتباس يعمه     وإن شرطا في المال شركا لعامل
وأن يشترى بالدين فاختل رسمه     وأن يشترى غير المعين للشرا
وأعط قراض المثل من حال غرمه     وأن يقتضي الدين الذي عند غيره
ويتجر فيه عاملا لا يذمه     وأن يشتري عبدا لزيد يبيعه
ويتجر فيما ابتاعه ويلمه

قال بعض الأصحاب : وضابطها كل ما يشترط فيه رب المال على العامل أمرا قصره به على نظره أو يشترط زيادة لنفسه أو شرطها العامل لنفسه فأجرة المثل ، وإلا فقراض المثل ، ومنشأ الخلاف أمران ( أحدهما ) المستثنيات من العقود إذا فسدت هل ترد إلى صحيح أنفسها ، وهو الأصل كفاسد البيع أو إلى صحيح أصلها لأن المستثنى إنما استثني لأجل مصلحته الشرعية المعتبرة في العقد الصحيح فإذا لم توجد تلك المصلحة بطل الاستثناء ، ولم يبق إلا الأصل فيرد إليه ، والشرع لم يستثن الفاسد فهو مبني على العدم ، وله أصل يرجع إليه ، وسر الفرق بينه وبين البيع أن البيع ليس له أصل آخر يرجع إليه ( الأمر الثاني ) أن أسباب الفساد إذا تأكدت في القراض أو غيره بطلت حقيقة المستثنى بالكلية فتتعين الإجارة ، وإذا لم تتأكد اعتبرنا القراض ثم يبقى النظر بعد ذلك في المفسد هل هو متأكد أم لا نظرا في تحقيق المناط .

[ ص: 15 ]

التالي السابق


[ ص: 15 ] حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق العاشر والمائتان بين قاعدة ما يرد من القراض الفاسد إلى قراض المثل وبين قاعدة ما يرد منه إلى أجرة المثل )

القراض قال ابن عرفة هو تمكين مال لمن يتجر به بجزء من ربحه لا بلفظ إجارة قال ابن عاصم :

والنقد والحضور والتعيين من شرطه ويمنع التضمين ولا يسوغ جعله إلى أجل
وفسخه مستوجب إذا نزل ولا يجوز شرط شيء ينفرد
به من الربح وإن يقع يرد

قال التسولي في شرحه عليه ذكر الناظم من شروط القراض ثلاثة النقد والحضور والتعيين ، ومن الموانع ثلاثة الضمان والأجل واشتراط شيء ينفرد به أحدهما ، والشرط ما يطلب وجوده ، والمانع ما يطلب عدمه .

وقد بقي عليه شروط أخر ، وموانع أخر انظرها في خليل ، وغيره ا هـ .

والأصل في فاسده الرد إلى قراض المثل كسائر أبواب الفقه ، ولأنه العمل الذي دخل عليه إلا أن صاحب القبس حكى فيه خمسة أقوال

( الأول ) عن مالك الرد إلى قراض المثل مطلقا جريا على [ ص: 34 ] الأصل المذكور

( الثاني ) عن الشافعي وأبي حنيفة وعبد الملك الرد إلى الأجرة مطلقا نظرا لاستيفاء العمل بغير عقد صحيح ، وإلغاء الفاسد بالكلية ( والثالث ) عن ابن القاسم إن كان الفساد في العقد فقراض المثل أو لزيادة فأجرة المثل ( الرابع ) عن محمد بن المواز الأقل من قراض المثل والمسمى . ( والخامس ) تفصيل ابن القاسم الذي ذكره عياض في التنبيهات حيث قال مذهب المدونة إن الفاسد من القراض يرد إلى أجرة مثله إلا في تسع مسائل القراض بالعروض ، وإلى أجل ، وعلى الضمان ، والمبهم ، وبدين يقتضيه من أجنبي ، وعلى شرك في المال ، وعلى أنه لا يشتري إلا بالدين فاشترى بالنقد ، وعلى أنه لا يشتري إلا سلعة معينة لما لا يكثر وجوده فاشترى غيرها ، وعلى أن يشتري عبد فلان بمال القراض ثم يبيعه ، ويتجر بثمنه قال الأصل ، ولحق بالتسعة عاشرة من غير الفاسد ففي الكتاب أي المدونة إذا اختلفا أي في الربح ، وأتيا بما لا يشبه له قراض المثل ، والضابط كل منفعة اشترطها أحدهما على صاحبه ليست خارجة عن المال ، ولا خالفته فهي لمشترطها ، ومتى كانت خارجة عن المال أو كانت غررا حراما فأجرة المثل فعلى هذه الأمور الثلاثة تدور المسائل قال : وقال بعض الأصحاب ، وضابطها كل ما يشترط فيه رب المال على العامل أمرا قصره به على نظره أو يشترط زيادة لنفسه أو شرطها العامل لنفسه فأجرة المثل ، وإلا فقراض المثل .

ومنشأ الخلاف أمران : ( أحدهما ) أن المستثنيات من العقود إذا فسدت هل ترد إلى صحيح أنفسها ، وهو الأصل كفاسد البيع أو إلى صحيح أصلها لأن المستثنى إنما استثني لأجل مصلحته الشرعية المعتبرة في العقد الصحيح فإذا لم توجد تلك المصلحة بطل الاستثناء ، ولم يبق إلا الأصل فيرد إليه ، والشرع لم يستثن الفاسد فهو مبني على العدم ، وله أصل يرجع إليه ، وسر الفرق بينه وبين البيع أن البيع ليس له أصل آخر يرجع إليه بخلاف القراض ( الأمر الثاني ) أن أسباب الفساد إذا تأكدت في القراض أو غيره بطلت حقيقة المستثنى بالكلية فتتعين الإجارة ، وإذا لم تتأكد اعتبرنا القراض ثم بقي النظر بعد ذلك في المفسد هل هو متأكد أم لا نظرا في تحقيق المناط قال .

وقد نظم بعضهم مسائل ابن القاسم فقال [ ص: 35 ]

وأجرة مثل في القراض تعينت سوى تسعة قد خالف الشرع حكمه
قراض عروض واشتراط ضمانه وتحديد وقت والتباس يعمه
وأن شرطا في المال شركا لعامل وأن يشتري بالدين فاختل رسمه
وأن يشتري غير المعين للشرا وأعط قراض المثل من حال غرمه
وأن يقتضي الدين الذي عند غيره ويتجر فيه عاملا لا يذمه
وأن يشتري عبدا لزيد يبيعه ويتجر فيما ابتاعه ويلمه

ا هـ .

كلام الأصل قال التاودي في شرحه على العاصمية ، وفيما يجب لعامل القراض عند فساده ثلاث روايات كما في ابن الحاجب عن مالك فروى عنه أشهب أن الواجب قراض المثل ، وروى غيره أجرة المثل ، والفرق بين أجرة المثل ، وقراض المثل من جهتين الأولى أجر المثل في الذمة ، وقراض المثل في الربح فإن لم يكن فلا شيء ، والثانية أجرة المثل يحاصص بها الغرماء ، وقراض المثل يقدم فيه عليهم ، والثالثة بالتفصيل بين ما يرد لأجرة المثل ، وما يرد لقراض المثل به ثم اختلف فقيل التفصيل بالحد ، وقيل بالعد ، وعليه اقتصر خليل في مختصره ، وفي القراض بالعروض أو من وكل على دين أو ليصرف ثم يعمل فأجرة مثله في توليه ثم قراض مثله في ربحه كلك شرك ، ولا عادة أو مبهم أو أجل أو اشتر سلعة فلان ثم اتجر في ثمنها أو بدين أو ما يقل كاختلافهما في الربح ، وادعيا ما لا يشبه ، وفيما فسد غيره أجرة مثله في الذمة ، ونظم ذلك بعضهم فقال :

لكل قراض فاسد أجر مثله سوى تسعة قد فصلت ببيان
قراض بدين أو بعرض ومبهم وبالشرك والتأجيل أو بضمان
ولا يشتري إلا بدين فيشتري بنقد وأن يبتاع عقد فلان
ويتجر في أثمانه بعد بيعه فهذي إن عدت تمام ثمان
ولا يشتري ما لا يقل وجوده فيشري سواه اسمع لحسن بيان
كذا ذكر القاضي عياض وإنه خبير بما يروي فصيح لسان

، وزيدت عاشرة فقال ابن غازي :

والحق بها ترك الشراء لبلدة بقيد به أضحى مقود جران

[ ص: 36 ] يشير به لقول مالك في المدونة أيعطيه المال ، ويقود كما يقود البعير ا هـ .

كلام التاودي ببعض تصرف ، ويتحصل من كلامه وكلام الأصل أمور : ( الأول ) أن القول الأول الذي حكاه في القبس عن مالك هو رواية أشهب عنه ، والثاني الذي حكاه عن الشافعي وأبي حنيفة وعبد الملك هو مروي عن مالك أيضا ، وأن الثالث والخامس هما رواية ابن القاسم عن مالك التفصيل ، وإما بالحد أو بالعد ، وأن الربع لم يرو عن مالك بل حكاه في القبس عن محمد ( الأمر الثاني ) أن المعتمد في المذهب من الأقوال الخمسة المذكورة هو رواية ابن القاسم عن مالك التفصيل لكن بخصوص العد لأنه الذي اقتصر عليه خليل في مختصره ، وسلمه من كتب عليه من المحققين ، وإن اقتصر ابن عاصم على القولين الأولين حيث قال :

وأجر مثل أو قراض مثل لعامل عند فساد الأصل

( الأمر الثالث ) أن المسألة العاشرة التي ألحقها الأصل بالتسعة غير العاشرة التي ألحقها ابن غازي بها فإن عاشرة الأصل من غير الفاسد ، وهي ما في قول خليل كاختلافهما في الربح ، وادعيا ما لا يشبه ، وعاشر ابن غازي من الفاسد ، وعليه فالملحق مسألتان ، وجملة المسائل التي يجب فيها للعامل قراض المثل إحدى عشرة ، وما عداها يجب فيه له أجرة المثل .

وقد نظمت عاشرة الأصل بقولي ( :

والحق بهذي الاختلاف بربحه وما ادعيا شبها جرى بزمان

) ( وفي شرح ) التسولي على العاصمية نصه ما ذكر ابن مغيث وصاحب النهاية أن العمل جرى بقراض المثل في أربعة فقط ، وهي القراض بالعروض أو بالجزء المبهم أو إلى أجل أو بضمان ، ويجمعها قولك ضمن العروض إلى أجل مبهم ، وما عدا هذه لأربع فيه أجرة المثل ، وذكر البرزلي عن ابن يونس أن كل ما يرجع لقراض المثل يفسخ ما لم يشرع في العمل فيمضي ، وكذا المساقاة ، وكل ما يرجع إلى أجر المثل بفسخ أبدا ا هـ .

بلفظه ، والله سبحانه وتعالى أعلم




الخدمات العلمية