الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما تكلم على وجوب زكاة النعم إجمالا شرع في الكلام على كل نوع منها مفصلا فقال ( الإبل ) يجب ( في كل خمس ) منها ( ضائنة ) بتقديم الهمزة على النون من الضأن وهو مهموز لا بالياء التحتية وتاؤه للوحدة [ ص: 433 ] فيشمل الذكر والأنثى وهو خلاف المعز ( إن لم يكن جل غنم البلد المعز ) بأن كانت كلها أو جلها ضأنا أو تساويا فإن غلب المعز وجب منه إلا أن يتطوع المالك بدفع الضأن فالعبرة بغنم البلد ( وإن خالفته ) أي خالفت غنم المالك جل غنم البلد فإن عدم الصنفان في البلد طولب بكسب أقرب بلد إليه ( والأصح إجزاء بعير ) عن الشاة إن وفت قيمته بقيمتها وينتهي ما تجب فيه الزكاة من الإبل بالغنم ( إلى خمس وعشرين ) بإخراج الغاية فإذا بلغتها ( فبنت مخاض ) إن كانت سليمة ( فإن لم تكن ) له بنت مخاض ( سليمة ) بأن لم تكن أصلا أو كانت معيبة ( فابن لبون ) ذكر إن كان عنده وإلا كلف بنت مخاض فحكم عدمهما كحكم وجودهما إلى خمس وثلاثين ( وفي ست وثلاثين بنت لبون ) [ ص: 434 ] ولا يجزئ عنها حق إلى خمس وأربعين ( و ) في ( ست وأربعين حقة ) إلى ستين ( و ) في ( إحدى وستين جذعة ) إلى خمس وسبعين ( و ) في ( ست وسبعين بنتا لبون ) إلى تسعين ( و ) في ( إحدى وتسعين حقتان ) إلى مائة وعشرين ( و ) في ( مائة وإحدى وعشرين إلى تسع وعشرين حقتان أو ثلاث بنات لبون الخيار للساعي ) إن وجدا أو فقدا ( وتعين أحدهما ) إن وجد ( منفردا ) للرفق ( ثم في ) تحقق ( كل عشر ) بعد المائة والتسعة والعشرين ( يتغير الواجب ) فيجب ( في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ) ففي مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون فإن زادت عشرة وصارت مائة وأربعين ففيها حقتان وبنت لبون فإن زادت عشرة ففيها ثلاث حقاق وفي مائة وستين أربع بنات لبون وفي مائة وسبعين ثلاث بنات لبون وحقة وفي مائة وثمانين بنتا لبون وحقتان وفي مائة وتسعين ثلاث حقاق وبنت لبون وفي مائتين خير الساعي في أربع حقاق أو خمس بنات لبون وفي مائتين وعشرة حقة وأربع بنات لبون وهكذا .

التالي السابق


( قوله فيشمل الذكر والأنثى ) أي فكل منهما يقال له ضائنة ويجزئ إخراجه هنا لأن الشاة المأخوذة زكاة عن الإبل كالشاة المأخوذة زكاة عن الغنم كما صرح بذلك في الجواهر وغيرها ونص اللباب كما في ح الشاة المأخوذة عن الإبل سنها وصفتها كالشاة المأخوذة عن الغنم وسيأتي أنه يؤخذ عنها الذكر والأنثى ، وهذا مذهب ابن القاسم وأشهب واشترط ابن القصار الأنثى في البابين وأما التفريق بين البابين فقال ح لم أقف عليه لأحد

( تنبيه ) لا بد أن تكون تلك الضائنة بلغت السن المجزئ بأن تكون جذعة أو جذعا ولعل المصنف إنما ترك ذلك اعتمادا على ما يأتي في زكاة الغنم .

( قوله أو تساويا إلخ ) مثله في عبارة ابن الحاجب واعترضه ابن عبد السلام وابن هارون بأن ظاهره أنه إذا تساويا يؤخذ من الضأن والأقرب من هذا أنه يخير الساعي .

( قوله وجب منه ) أي وجب أن يخرج منه إما ذكرا أو أنثى فيخير في إخراج الأفضل أو الأدنى ( قوله إلا أن يتطوع المالك بدفع الضأن ) أي فإنه يجزئه ويجبر الساعي على قبوله وهذا بخلاف ما لو خالف في صورة منطوقالمصنف وأخرج معزا فإنه لا يجزيه .

( قوله وإن خالفته ) مبالغة في المفهوم أي فإن كان جل غنم البلد المعز وجب منه وإن خالفته غنم المالك بأن كانت ضأنا أو مبالغة في المنطوق أي تجب الضائنة حيث كان غير جلها غير معز وإن خالفت غنم المالك جل غنم البلد بأن كانت غنمه معزا أو مبالغة في المنطوق والمفهوم معا كما أشار له الشارح بقوله أي فالعبرة بغنم البلد وإن خالفته .

( قوله وإلا صح ) أي كما قاله عبد المنعم القروي وصححه ابن عبد السلام خلافا للباجي وابن العربي القائلين بعدم الإجزاء وخرجه المازري على إخراج القيم في الزكاة قال ابن عرفة وهو بعيد لأن القيم بالعين ا هـ قال ح ولا بعد إذ ليس مراده حقيقة القيم وإنما مراده أنه من بابه ألا ترى أنهم قالوا في مصرف الزكاة لا يجوز إخراج القيم وجعلوا منه إخراج العرض عن العين .

( قوله إجزاء بعير ) تعبيره بالإجزاء يفيد أنه غير جائز ابتداء وهو كذلك وقوله بعير أي ذكر وأنثى لإطلاق البعير على كل منهما وظاهره إجزاء البعير عن الشاة ولو كان سنه أقل من عام وهو ما ارتضاه عج قائلا خلافا لما عليه بعض الشراح ومراده به ح حيث قال لا بد في إجزاء البعير عن الشاة من بلوغه السن الواجب فيها وقوله عن الشاة أي وأما عن شاتين فأكثر فلا يجزئ قولا واحدا ولو زادت قيمته على قيمتهما .

( قوله إن كانت له سليمة ) أي إن كانت موجودة ملكا له حال كونها سليمة وهل ولو كانت كريمة لأنها الأصل ولا ينتقل للبدل مع إمكان الأصل وهو ظاهر المصنف أو محله ما لم تكن كريمة وإلا أخذ ابن اللبون للنهي عن أخذ كرائم الناس انظر في ذلك ( قوله فابن لبون ذكر ) وتجزئ بنت اللبون بالأولى وهل يخير الساعي في قبولها أو لا يخير بل يجبر على قبولها ؟ قولان واقتصر في التوضيح على القول بجبره ونسبه للمدونة فهو المعتمد وليس في الإبل ذكر يؤخذ عن أنثى إلا ابن اللبون فإنه يؤخذ عن بنت المخاض كما علمت ، وحينئذ لا يجزئ ابن المخاض عن بنت المخاض ولا ابن اللبون عن بنت اللبون وهكذا .

( قوله كحكم وجودهما ) في تعين بنت المخاض وإنما يكتفي بابن اللبون إذا عدمت بنت المخاض فقط حقيقة أو حكما .

والحاصل أنه إن وجد أحد الشيئين تعين وإن وجدا معا تعين بنت المخاض ، وكذا إن عدما لكن إن أتى في هذه الحالة الأخيرة بابن اللبون بعد إلزامه بنت المخاض كان للساعي أخذه إن رآه نظرا لكونه أكثر لحما لكبر سنه أو أكثر ثمنا وإلا ألزمه بنت المخاض أحب أو كره كما لابن القاسم في المدونة فإن عدم الأمران قبل إلزامه بنت المخاض أتى بابن اللبون فقال ابن القاسم يجبر الساعي على قبوله ويكون بمنزلة ما لو كان موجودا فيها وقال أصبغ لا يجبر .

[ ص: 434 ] قوله ولا يجزئ عنها حق ) أي ولو لم توجد أو وجدت معيبة وأما أخذ الحقة عن بنت اللبون فتجزئ . والفرق بين ابن اللبون يجزئ عن بنت المخاض والحق لا يجزئ عن بنت اللبون أن ابن اللبون يمتنع من صغار السباع ويرد الماء ويرعى الشجر فقابلت هذه الفضيلة الأنوثة التي في بنت المخاض والحق ليس فيه ما يزيد عن بنت اللبون فليس فيه ما يعادل فضيلة الأنوثة التي فيها ( قوله وفي مائة وإحدى وعشرين إلى تسع وعشرين حقتان أو ثلاث بنات لبون الخيار للساعي ) اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن بين ما تقدم من التقادير وبين أن في الإحدى وتسعين إلى مائة وعشرين حقتين قال ثم ما زاد ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ففهم الإمام مالك أن المراد بالزيادة زيادة عقد أي عشرة وهو الراجح وحمل ابن القاسم الزيادة على مطلق الزيادة ولو حصلت بواحدة ففي مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون باتفاق وأما في مائة وإحدى وعشرين إلى تسع الخلاف بينهما فعند الإمام يخير الساعي بين أخذ حقتين أو ثلاث بنات لبون وهو ما مشى عليه المصنف وذلك لأن المائة والواحد والعشرين يصلح فيها حقتان ويصلح فيها ثلاث بنات لبون إذ فيها أكثر من خمسين وأكثر من ثلاث أربعينات فلذا خير الساعي وقال ابن القاسم يتعين ثلاث بنات لبون .

( قوله الخيار للساعي ) أي فإن اختار الساعي أحد الصنفين وكان عند رب المال الصنف الآخر أفضل أجزأه ما أخذه الساعي ولا يستحب له إخراج شيء زائد قاله سند ( قوله إن وجدا أو فقدا ) فإن وجد أحد الصنفين تعين رفقا بأرباب المواشي ومثله ما إذا وجد أو كان أحدهما معيبا فهو كالعدم وكذا إذا كان أحدهما من كرائم الأموال فيتعين الصنف الآخر إلا أن يشاء ربها بدفع الكرام فإن وجد الصنفان سليمين واختار الساعي أحدهما وكان الصنف الآخر أفضل عند رب الماشية أجزأه ما أخذ الساعي ولا يستحب له إخراج شيء زائد قاله سند ( قوله وتعين أحدهما ) أي الحقتان أو الثلاث بنات لبون حال كونه منفردا في الوجود فإذا وجد أحدهما وفقد الآخر أخذ الساعي ما وجد ولم يكلفه ما فقد .

( قوله ثم في تحقق كل عشر ) إنما قدر الشارح تحقق لأجل أن يدخل في كلام المصنف المائة والثلاثون فإن الواجب يتغير فيها ولو أبقى كلام المصنف على ظاهره لم تدخل هذه الصورة فيه لأن ظاهره ثم في كل عشر بعد المائة والتسعة والعشرين يتغير الواجب وضابط الإخراج فيما إذا زادت الإبل على المائة والثلاثين أن تقسم عدد عقود ما يراد تزكيته على عدد عقود الخمسين أو على عدد عقود الأربعين فإن انقسمت على الخمس فقط دون كسر فالواجب عدد الخارج حقاقا أو على الأربعة فقط دون كسر فعدد الخارج بنات لبون أو عليهما معا دون كسر فالواجب عدد خارج أحدهما ويأتي الخيار كما في مائتي الإبل وإن انكسر عليهما فألغ قسمتها على الخمسة واقسمها على الأربعة وخذ بعد الخارج الصحيح بنات لبون وانسب الكسر للأربعة المقسوم عليها فإن كان ربعا فأبدل واحدة من بنات اللبون بحقة وإن كان أربعين فأبدل ثنتين وإن كان ثلاثة أرباع فأبدل ثلاثة .




الخدمات العلمية