الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا يجوز التيمم إلا بالتراب لما روى حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { فضلنا على الناس بثلاث : جعلت لنا الأرض مسجدا وجعل ترابها لنا طهورا ، وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة } " فعلق الصلاة على الأرض ثم نزل في التيمم إلى التراب ، فلو جاز التيمم بجميع الأرض لما نزل عن الأرض إلى التراب : ولأنه طهارة عن حدث فاختص بجنس واحد كالوضوء ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث حذيفة صحيح رواه مسلم وقال فيه : " جعلت لنا الأرض كلها مسجدا وتربتها طهورا " قال الخطابي : معناه أن من كان قبلنا لم تبح لهم الصلاة إلا في البيع والكنائس . [ ص: 246 ] والتراب معروف وله خمسة عشر اسما ذكرتها مفصلة في تهذيب الأسماء ، ثم الصحيح المشهور أنه اسم جنس لا يثنى ولا يجمع إلا إذا اختلفت أنواعه . ونقل أبو عمر الزاهد عن المبرد أنه جمع واحده ترابة ، وقوله : " لأنه طهارة عن حدث " احتراز من الدباغ . ( أما حكم المسألة ) فمذهبنا أنه لا يصح التيمم إلا بتراب ، هذا هو المعروف في المذهب وبه قطع الأصحاب وتظاهرت عليه نصوص الشافعي وحكى الرافعي عن أبي عبد الله الحناطي ( بالحاء المهملة والنون ) أنه حكى في جواز التيمم بالذريرة والنورة والزرنيخ والأحجار المدقوقة والقوارير المسحوقة وأشباهها قولين للشافعي ، وهذا نقل غريب ضعيف شاذ مردود ، وإنما أذكره للتنبيه عليه لئلا يغتر به ، والصحيح في المذهب أنه لا يجوز إلا بتراب ، وبه قال أحمد وابن المنذر وداود .

                                      قال الأزهري والقاضي أبو الطيب : هو قول أكثر الفقهاء وقال أبو حنيفة ومالك : يجوز بكل أجزاء الأرض حتى بصخرة مغسولة ، وقال بعض أصحاب مالك : يجوز بكل ما اتصل بالأرض كالخشب والثلج وغيرهما ، وفي الملح ثلاثة أقوال لأصحاب مالك .

                                      ( أحدها ) : يجوز ، ( والثاني ) : لا .

                                      ( والثالث ) - وهو عندهم أشهرها - أنه إن كان مصنوعا لم يجز التيمم به وإلا جاز . وقال الأوزاعي والثوري : يجوز بالثلج وكل ما على الأرض . واحتجوا بقول الله تعالى : { فتيمموا صعيدا } والصعيد ما على الأرض وبقوله صلى الله عليه وسلم : { جعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا } " رواه البخاري ومسلم ، وبحديث أبي الجهيم السابق في التيمم بالجدار ، وبحديث عمار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إنما كان يكفيك هكذا ، ثم ضرب بيديه ثم نفضهما ثم مسح وجهه وكفيه } " رواه البخاري ومسلم . وفي رواية لمسلم [ ص: 247 ] { إنما يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك } " قالوا : فهذا يدل على أنه لا يختص بتراب ذي غبار يعلق بالعضو كما قلتم ، قالوا : لأنه طهارة بجامد فلم يختص بجنس كالدباغ .

                                      واحتج أصحابنا بقوله تعالى : { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } وهذا يقتضي أن يمسح بما له غبار يعلق بعضه بالعضو وبحديث حذيفة ، وروى البيهقي عن ابن عباس قال : { الصعيد الحرث حرث الأرض } وبالقياس الذي ذكره المصنف . وأما قولهم : الصعيد ما صعد على وجه الأرض فلا نسلم اختصاصه به ، بل هو مشترك يطلق على وجه الأرض وعلى التراب وعلى الطريق ; كذا نقله الأزهري عن العرب وإذا كان كذلك لم يخص بأحد الأنواع إلا بدليل ومعنا حديث حذيفة وتفسير ابن عباس ترجمان القرآن بتخصيص التراب . وأما حديث : " جعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا " فمختصر محمول على ما قيده في حديث حذيفة . وأما التيمم بالجدار فمحمول على جدار عليه غبار ، لأن جدرانهم من الطين ، فالظاهر حصول الغبار منها ، وحديث النفخ في اليدين محمول على أنه علق باليد غبار كثير فخففه ، ونحن نقول باستحباب تخفيفه . ورواية مسلم ثم ينفخ محمولة على ما إذا علق بهما غبار كثير ولا يصح أن يعتقد أنه أمره بإزالة جميع الغبار ، والفرق بين التيمم والدباغ أن المراد بالدباغ تنشيف فضول الجلد وذلك يحصل بأنواع ، فلم يختص ، والتيمم طهارة تعبدية فاختصت بما جاءت به السنة كالوضوء والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية