الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فصل: في الوقف الكافي

وهو الذي انفصل مما بعده في اللفظ، وله به تعلق في المعنى بوجه.

وبالإسناد إلى الداني قال: حدثنا محمد بن خليفة الإمام، قال: حدثنا محمد بن الحسين، قال: أخبرنا الفريابي، قال: أخبرنا محمد بن الحسين البلخي، قال: أخبرنا سفيان، عن سليمان - يعني الأعمش - عن إبراهيم، عن عبيدة، عن ابن مسعود، قال: (قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اقرأ علي قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري. قال: فافتتحت سورة النساء، فلما بلغت {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [النساء: 41] قال: فرأيته وعيناه تذرفان دموعا، فقال لي: حسبك) قال الداني : فهذا دليل على جواز القطع على الوقف الكافي، لأن [ ص: 172 ] (شهيدا) ليس من التام، وهو متعلق بما بعده معنى، لأن المعنى: فكيف يكون حالهم إذا كان هذا، {يومئذ يود الذين كفروا} [النساء: 42] فما بعده متعلق بما قبله، والتمام (حديثا)، لأنه انقضاء القصة، وهو آخر الآية الثانية، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع عليه دونه، مع تقارب ما بينهما، فدل ذلك دلالة واضحة على جواز القطع على الكافي.

مثال ذلك قوله تعالى: {والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} [البقرة: 4] هذا كلام مفهوم كاف، والذي بعده كلام مستقل مستغن عما قبله في اللفظ، وإن اتصل به في المعنى.

والكافي يتفاضل أيضا في الكفاية كتفاضل التام، فمن المقاطع التي بعضها أكفى من بعض قوله تعالى: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم} [البقرة: 93] القطع على {بكفرهم} كاف، و {إن كنتم مؤمنين} أكفى منه، وكذا القطع على: {ربنا تقبل منا} كاف، {إنك أنت السميع العليم} [البقرة: 127] أكفى منه.

وقد يكون القطع كافيا على قراءة، ويكون في موضع القطع موصولا على أخرى: {ويكفر عنكم من سيئاتكم} من قرأ بالرفع قطع على قوله: {فهو خير [ ص: 173 ] لكم} ومن جزم لم يقطع. وكذا قوله: {يستبشرون بنعمة من الله وفضل} من كسر الهمزة من قوله: {وأن الله} قطع، وابتدأ به، ومن فتحها وصلهما.

وقد يوجد الكافي على تأويل، ويكون موضع القطع غير كاف على تأويل آخر، كقوله تعالى: {يعلمون الناس السحر} من جعل {وما أنزل} [البقرة: 102]. نفيا قطع على (السحر) ، ومن جعلها بمعنى الذي وصل، وبالنفي أقول. وكقوله: {فأنزل الله سكينته عليه} إذا جعلت الهاء للصديق قطع عليها وكان كافيا، وهو قول سعيد بن جبير، قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم تزل السكينة معه، ومن جعلها للنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن الوقف عليه كافيا، ووجب الوصل. ومنه قوله: {حريص عليكم} القطع عليه كاف، على قول من جعله متصلا بما قبله، وهو خطاب لأهل مكة، ثم ابتدأ {بالمؤمنين رؤوف رحيم} والأوجه الوصل.

التالي السابق


الخدمات العلمية