الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية التخطي يوم الجمعة

                                                                                                          513 حدثنا أبو كريب حدثنا رشدين بن سعد عن زبان بن فائد عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرا إلى جهنم قال وفي الباب عن جابر قال أبو عيسى حديث سهل بن معاذ بن أنس الجهني حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد والعمل عليه عند أهل العلم كرهوا أن يتخطى الرجل رقاب الناس يوم الجمعة وشددوا في ذلك وقد تكلم بعض أهل العلم في رشدين بن سعد وضعفه من قبل حفظه

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب في كراهية التخطي يوم الجمعة ) قال في الصراح : تخطيت رقاب الناس ، أي تجاوزتها .

                                                                                                          قوله : ( عن زبان ) بفتح الزاي وشدة الموحدة ( بن فائد ) بالفاء أبي جوين المصري ضعيف الحديث مع صلاحه وعبادته ( عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني ) لا بأس به إلا في رواية زبان عنه كذا في التقريب . وقال في الميزان : ضعفه ابن معين ، وقال ابن حبان في الثقات : لست أدري أوقع التخليط منه أو من صاحبه زبان بن فائد . انتهى ( عن أبيه ) أي : معاذ بن أنس الجهني وهو صحابي نزل مصر وبقي إلى خلافة عبد الملك .

                                                                                                          قوله : ( من تخطى ) أي : تجاوز ( رقاب الناس ) قال القاضي : أي بالخطو عليها ( يوم الجمعة ) ظاهر التقييد بيوم الجمعة أن الكراهة مختصة به ، ويحتمل أنه يكون التقييد خرج مخرج الغالب ؛ لاختصاص الجمعة بكثرة الناس ، بخلاف سائر الصلوات ، فلا يختص ذلك بالجمعة ، بل يكون سائر الصلوات حكمها .

                                                                                                          ويؤيد ذلك التعليل بالأذية ، وظاهر هذا التعليل أن ذلك يجري في مجالس العلم وغيرها ، ويؤيد أيضا ما أخرجه الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي أمامة قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " من تخطى حلق قوم بغير إذنهم فهو عاص " ، ولكن في إسناده جعفر بن الزبير وقد كذبه شعبة وتركه الناس .

                                                                                                          ( اتخذ جسرا إلى جهنم ) ، قال العراقي : المشهور في رواية هذا الحديث " اتخذ " على بنائه للمفعول بضم التاء المشددة وكسر الخاء المعجمة ؛ بمعنى أنه يجعل جسرا على طريق جهنم ليوطأ ويتخطى كما تخطى رقاب الناس ؛ فإن الجزاء من جنس العمل ، ويجوز أن يكون للبناء للفاعل أي : أنه اتخذ لنفسه جسرا يمشي عليه إلى جهنم بسبب ذلك ، كقوله -عليه السلام- : من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ، وفيه بعد ، والأول أظهر وأوفق للرواية . وقد ذكره صاحب مسند الفردوس بلفظ : من تخطى رقبة أخيه المسلم جعله الله يوم القيامة جسرا على باب جهنم للناس ، كذا في قوت المغتذي .

                                                                                                          وقال الطيبي والتوربشتي : [ ص: 35 ] ضعف المبني للمفعول رواية ودراية انتهى . قلت : في كلام الطيبي والتوربشتي خلاف ما قال العراقي ، والظاهر الراجح عندي هو قول العراقي ، ويؤيده لفظ مسند الفردوس : جعله الله يوم القيامة جسرا ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن جابر ) ، أخرجه ابن ماجه بلفظ أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب فجعل يتخطى رقاب الناس فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " اجلس فقد آذيت وآنيت " ، وفي إسناده إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف .

                                                                                                          وفي الباب أيضا عن عبد الله بن بسر بمعنى حديث جابر أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد ، وسكت عنه أبو داود والمنذري وصححه ابن خزيمة وغيره ، وعن الأرقم بن الأرقم المخزومي مرفوعا بلفظ : الذي يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة وفرق بين الاثنين بعد خروج الإمام كالجار قصبه في النار . أخرجه أحمد والطبراني في الكبير وفي إسناده هشام بن زياد ضعفه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم ، وفي الباب أيضا عن أبي الدرداء عند الطبراني في الأوسط ، وعن أنس عنده في الصغير والأوسط ، وعن عثمان بن الأزرق عنده في الكبير ، وذكر الشوكاني ألفاظ أحاديثهم في النيل مع الكلام عليها .

                                                                                                          قوله : ( حديث سهل بن معاذ بن أنس الجهني حديث غريب إلخ ) في إسناده رشدين بن سعد قال في التقريب : ضعيف رجح أبو حاتم عليه ابن علية ، وقال ابن يونس : كان صالحا في دينه فأدركته غفلة الصالحين فخلط في الحديث ، من الخامسة ، وقال الذهبي في الميزان : كان صالحا عابدا سيئ الحفظ غير معتمد ، انتهى .

                                                                                                          فحديث الباب ضعيف لكنه معتضد بأحاديث أخرى وقد ذكرنا بعضها ، ( والعمل عليه عند أهل العلم كرهوا أن يتخطى الرجل يوم الجمعة رقاب الناس وشددوا في ذلك ) حكى أبو حامد في تعليقه عن الشافعي التصريح بالتحريم ، وقال النووي في زوائد الروضة : إن المختار تحريمه للأحاديث الصحيحة ، واقتصر أصحاب أحمد على الكراهة فقط ، وروى العراقي عن كعب الأحبار أنه قال : لأن أدع الجمعة أحب إلي من أن أتخطى [ ص: 36 ] الرقاب ، وقال المسيب : لأن أصلي الجمعة بالحرة أحب إلي من التخطي ، وروي عن أبي هريرة نحوه ولا يصح عنه ؛ لأنه من رواية صالح مولى التوأمة عنه .

                                                                                                          قال العراقي : وقد استثني من التحريم أو الكراهة الإمام أو من كان بين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي ، وهكذا أطلق النووي بالروضة ، وقيد ذلك في شرح المهذب فقال : إذا لم يجد طريقا إلى المنبر أو المحراب إلا بالتخطي لم يكره ؛ لأنه ضرورة ، وروي نحو ذلك عن الشافعي ، وحديث عقبة بن الحارث قال : صليت وراء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة العصر ثم قام مسرعا فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه الحديث ، يدل على جواز التخطي للحاجة في غير الجمعة ، فمن خصص الكراهة بصلاة الجمعة فلا معارضة بينه وبين أحاديث الباب عنده ، ومن عمم الكراهة لوجود العلة المذكورة سابقا في الجمعة وغيرها فهو محتاج إلى الاعتذار عنه ، وقد خص الكراهة بعضهم بغير من يتبرك الناس بمروره ويسرهم ذلك ولا يتأذون لزوال علة الكراهة التي هي التأذي ، كذا في النيل .




                                                                                                          الخدمات العلمية