الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) الثاني فهو القهقهة في صلاة مطلقة ، وهي الصلاة التي لها ركوع ، وسجود ، فلا يكون حدثا خارج الصلاة ، ولا في صلاة الجنازة ، وسجدة التلاوة .

                                                                                                                                وهذا استحسان ، والقياس أن لا تكون حدثا ، وهو قول الشافعي ، ولا خلاف في التبسم أنه لا يكون حدثا احتج الشافعي بما روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { الضحك ينقض الصلاة ، ولا ينقض الوضوء } ، ولأنه لم يوجد الحدث حقيقة ، ولا ما هو سبب وجوده ، والوضوء لا ينتقض إلا بأحد هذين ، ولهذا لم ينتقض بالقهقهة خارج الصلاة ، وفي صلاة الجنازة ، ولا ينقض بالتبسم .

                                                                                                                                ( ولنا ) ما روي في المشاهير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { كان يصلي فجاء أعرابي في عينيه سوء فوقع في بئر عليها خصفة فضحك بعض من خلفه فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال من قهقه منكم فليعد الوضوء ، والصلاة ، ومن تبسم ، فلا شيء عليه } طعن أصحاب الشافعي في الحديث من وجهين أحدهما أنه ليس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بئر ، والثاني أنه لا يظن بالصحابة الضحك خصوصا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الطعن فاسد لأنا ما روينا الصلاة كانت في المسجد على أنه كانت في المسجد حفيرة يجمع فيها ماء المطر ، ومثلها يسمى بئرا .

                                                                                                                                وكذا ما روينا أن الخلفاء الراشدين ، أو العشرة المبشرين أو المهاجرين الأولين ، أو فقهاء الصحابة ، وكبار الأنصار هم الذين ضحكوا بل كان الضاحك بعض الأحداث ، أو الأعراب ، أو بعض المنافقين لغلبة الجهل عليهم ، حتى روي أن أعرابيا بال في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث جابر محمول على ما دون القهقهة توفيقا بين الدلائل مع أنه قيل إن الضحك ما يسمع الرجل نفسه ، ولا يسمع جيرانه ، والقهقهة ما يسمع جيرانه ، والتبسم ما لا يسمع نفسه ، ولا جيرانه وقوله لم يوجد الحدث ، ولا سبب وجوده مسلم لكن هذا حكم عرف بخلاف القياس بالنص ، والنص ورد بانتقاض الوضوء بالقهقهة في صلاة مستتمة الأركان فبقي ما وراء ذلك على أصل القياس .

                                                                                                                                وروي عن جرير بن عبد الله البجلي أنه قال { ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسم ، ولو في الصلاة } .

                                                                                                                                وروي { أنه صلى الله عليه وسلم تبسم في صلاته فلما فرغ سئل عن ذلك فقال أتاني جبريل عليه السلام ، وأخبرني أن الله تعالى يقول من صلى عليك مرة صلى الله عليه عشرا } ، ولو قهقه الإمام والقوم جميعا فإن قهقه الأمام أولا انتقض وضؤه دون القوم ، لأن قهقهتهم لم تصادف تحريمة الصلاة لفساد صلاتهم بفساد صلاة الإمام فجعلت قهقهتم خارج الصلاة ، وإن قهقه القوم أولا ، ثم الإمام انتقض طهارة الكل ; لأن قهقهتهم حصلت في الصلاة أما القوم ، فلا إشكال .

                                                                                                                                وأما الإمام فلأنه لا يصير خارجا من الصلاة بخروج القوم ، وكذلك إن قهقهوا معا لأن قهقهة الكل حصلت في تحريمة الصلاة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية