الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويستحب أن لا ينقص في الغسل من صاع ولا في الوضوء من مد لأن النبي صلى الله عليه وسلم : " { كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد } " فإن أسبغ بما دونه أجزأه لما روي " { أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بما لا يبل الثرى } " قال الشافعي رحمه الله : وقد يرفق بالقليل فيكفي ويخرق بالكثير فلا يكفي ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) الثرى مقصور وهو ما تحت وجه الأرض من التراب الندي ، والصاع أربعة أمداد بلا خلاف والصحيح أن الصاع هنا خمسة أرطال وثلث بالبغدادي كما هو في زكاة الفطر خمسة وثلث بالاتفاق ، وذكر الماوردي والقاضي حسين والروياني فيه وجهين : ( أحدهما ) هذا ( والثاني ) : أنه ثمانية أرطال بالبغدادي ، والمشهور الأول . وقد سبق بيان رطل بغدادي في مسألة القلتين وقوله : أسبغ أي عمم الأعضاء ومنه ثوب سابغ أي كامل .

                                      ( أما حكم المسألة ) فأجمعت الأمة على أن ماء الوضوء والغسل لا يشترط فيه قدر معين ، بل إذا استوعب الأعضاء كفاه بأي قدر كان ، وممن نقل الإجماع فيه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، وقد سبق في باب صفة الوضوء أن شرط غسل العضو جريان الماء عليه قال الشافعي والأصحاب : ويستحب أن لا ينقص في الغسل من صاع ولا في الوضوء من مد . قال الرافعي : والصاع والمد تقريب لا تحديد ، وفي صحيح مسلم عن سفينة رضي الله عنه " { كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد } " وفي مسلم أيضا عن أنس " بالصاع إلى خمسة أمداد " وفي البخاري اغتساله صلى الله عليه وسلم بالصاع من رواية جابر وعائشة ، ويدل على جواز النقصان عن صاع ومد مع الإجماع حديث عائشة : { كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في إناء واحد يسع ثلاثة أمداد وقريب من ذلك } " رواه مسلم . ويدل على أن ماء الطهارة غير مقدر بقدر للوجوب . حديث عائشة " { كنت [ ص: 220 ] أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد تختلف أيدينا فيه من الجنابة } " رواه البخاري ومسلم وعن أنس " { كان النبي صلى الله عليه وسلم والمرأة من نسائه يغتسلان من إناء واحد } " وعن ابن عباس " { أن النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد } " رواهما البخاري وفي صحيح مسلم نحوه عن أم سلمة وميمونة ، وفي سنن أبي داود والنسائي بإسناد حسن عن أم عمارة الأنصارية " { أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بإناء فيه قدر ثلثي مد } " وأما الحديث الذي ذكره المصنف : " توضأ بما لا يبل الثرى " فلا أعلم له أصلا والله أعلم .

                                      ( فرع ) اتفق أصحابنا وغيرهم على ذم الإسراف في الماء في الوضوء والغسل ، وقال البخاري في صحيحه : كره أهل العلم الإسراف فيه . والمشهور أنه مكروه كراهة تنزيه ، وقال البغوي والمتولي : حرام ومما يدل على ذمه حديث عبد الله بن مغفل بالغين المعجمة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء } رواه أبو داود بإسناد صحيح




                                      الخدمات العلمية