الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 269 ] ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )

الطمع : تعلق النفس بإدراك مطلوب ، تعلقا قويا ، وهو أشد من الرجاء ؛ لأنه لا يحدث إلا عن قوة رغبة وشدة إرادة ، وإذا اشتد صار طمعا ، وإذا ضعف كان رغبة ورجاء . يقال : طمع يطمع طمعا وطماعة وطماعية مخففا ، كطواعية ، قال الشاعر :


طماعية أن يغفر الذنب غافره



واسم الفاعل : طمع وطامع ، ويعدى بالهمزة ، ويقال : طامعه مطامعة ، ويقال : طمع بضم الميم ، كثر طمعه ، وضد الطمع : اليأس ، قال كثير :


لا خير في الحب وقفا لا يحركه     عوارض اليأس أو يرتاجه الطمع



ويقال : امرأة مطماع ، أي تطمع ولا تمكن ، وقد توسع في الطمع فسمي به رزق الجند ، يقال : أمر لهم الأمير بأطماعهم ، أي أرزاقهم ، وهو من وضع المصدر موضع المفعول . الكلام : هو القول الدال على نسبة إسنادية مقصودة لذاتها ، ويطلق أيضا على الكلمة ، ويعبر به أيضا عن الخط والإشارة ، وما يفهم من حال الشيء . وهل يطلق على المعاني القائمة بالذهن التي يعبر عنها بالكلام ؟ في ذلك خلاف ، وتقاليبه الست موضوعة ، وترجع إلى معنى القوة والشدة ، وهي : كلم ، كمل ، لكم ، لمك ، ملك ، مكل . التحريف : إمالة الشيء من حال إلى حال ، والحرف : الحد المائل . التحديث : الإخبار عن حادث ، ويقال منه يحدث ، وأصله من الحدوث ، وأصل فعله أن يتعدى إلى واحد بنفسه ، وإلى آخر بعن ، وإلى ثالث بالباء ، فيقال : حدثت زيدا عن بكر بكذا ، ثم إنه قد يضمن معنى أعلم المنقولة من علم المتعدية إلى اثنين ، فيتعدى إلى ثلاثة ، وهي من إلحاق غير سيبويه بأعلم ، ولم يذكر سيبويه مما يتعدى إلى ثلاثة غير أعلم ، وأرى ونبأ ، وأما حدث فقد أنشدوا بيت الحارث بن حلزة :


أو منعتم ما تسألون فمن     حدثتموه له علينا العلاء



وجعلوا حدث فيه متعدية إلى ثلاثة ، ويحتمل أن يكون التقدير : حدثتموا عنه . والجملة بعده حال . كما خرج سيبويه قوله : ونبئت عبد الله ، أي عن عبد الله ، مع احتمال أن يكون ضمن نبئت معنى : أعلمت ، لكن رجح عنده حذف حرف الجر على التضمين . وإذا احتمل أن يخرج بيت الحارث على أن يكون مما حذف منه الحرف ، لم يكن فيه دليل على إثبات تعدي حدث إلى ثلاثة بنفسه ، فينبغي أن لا يذهب إلى ذلك ، إلا أن يثبت من لسان العرب . الفتح : القضاء بلغة اليمن ، ( وهو الفتاح العليم ) . والأذكار : فتح على الإمام ، والظفر : ( فقد جاءكم الفتح ) . قال الكلبي : وبمعنى القصص . قال الكسائي : وبمعنى التبيين . قال الأخفش : وبمعنى المن . وأصل الفتح : خرق الشيء ، والسد ضده . المحاجة : من الاحتجاج ، وهو القصد للغلبة ، حاجه : قصد أن يغلب . والحجة : الكلام المستقيم ، مأخوذ من محجة الطريق .

أسر الشيء : أخفاه ، وأعلنه : أظهره . الأمي : الذي لا يقرأ في كتاب ولا يكتب ، نسب إلى الأم لأنه ليس من شغل النساء أن يكتبن أو يقرأن في كتاب ، أو لأنه بحال ولدته أمه لم ينتقل عنها ، أو نسب إلى الأمة ، وهي القامة والخلقة ، أو إلى الأمة ، إذ هي ساذجة قبل أن تعرف المعارف . الأماني : جمع أمنية ، وهي أفعولة ، أصله : أمنوية ، اجتمعت ياء وواو وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء في الياء ، وهي من منى ، إذا قدر ؛ لأن المتمني يقدر في نفسه ويحزر ما يتمناه ، أو من تمنى : أي كذب . قال أعرابي لابن دأب [ ص: 270 ] في شيء حدث به : أهذا شيء رويته أم تمنيته . أي اختلقته . وقال عثمان : ما تمنيت ولا تغنيت منذ أسلمت ، أو من تمنى إذا تلا ، قال تعالى : ( إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ) ، أي إذا تلا وقرأ ، وقال الشاعر :


تمنى كتاب الله أول ليله     وآخره لاقى حمام المقادر



والتلاوة والكذب راجعان لمعنى التقدير ، فالتقدير أصله ، قال الشاعر :


ولا تقولن لشيء سوف أفعله     حتى تبين ما يمني لك الماني



أي يقدر ، وجمعها بتشديد الياء لأنه أفاعيل . وإذا جمع على أفاعل خففت الياء ، والأصل التشديد ؛ لأن الياء الأولى في الجمع هي الواو التي كانت في المفرد التي انقلبت فيه ياء ، ألا ترى أن جمع أملود أماليد ؟ ويل : الويل مصدر لا فعل له من لفظه ، وما ذكر من قولهم . وأل مصنوع ، ولم يجئ من هذه المادة التي فاؤها واو وعينها ياء إلا : ويل ، وويح ، وويس ، وويب ، ولا يثنى ولا يجمع . ويقال : ويله ، ويجمع على ويلات . قال :


فقالت لك الويلات إنك مرجلي



وإذا أضيف ويل ، فالأحسن فيه النصب ، قال تعالى : ( ويلكم لا تفتروا على الله كذبا ) . وزعم بعض أنه إذا أضيف لا يجوز فيه إلا النصب ، وإذا أفردته اختير الرفع ، قال : ( فويل للذين ) ، ويجوز النصب ، قال :


فويلا لتيم من سرابيلها الخضر



والويل : معناه الفضيحة والحسرة ، وقال الخليل : الويل : شدة الشر ، وقال المفضل وابن عرفة : الويل : الحزن ، يقال : تويل الرجل : دعا بالويل ، وإنما يقال ذلك عند الحزن والمكروه . وقال غيره : الويل : الهلكة ، وكل من وقع في هلكة دعا بالويل ، وقال الأصمعي : هي كلمة تفجع ، وقد يكون ترحما ، ومنه :


ويل أمه مسعر حرب



الأيدي : جمع يد ، ويد مما حذف منه اللام ، ووزنه فعل ، وقد صرح بالأصل . قالوا : يدي ، وقد أبدلوا من الياء الأولى همزة ، قالوا : قطع الله أديه ، وأبدلوا منها أيضا جيما ، قالوا : لا أفعل ذلك جد الدهر ، يريدون يد الدهر ، وهي حقيقة في الجارحة ، مجاز في غيرها . وأما الأيادي فجمع الجمع ، وأكثر استعمال الأيادي في النعم ، والأصل : الأيدي ، استثقلنا الضمة على الياء فحذفت ، فسكنت الياء ، وقبلها ضمة ، فانقلبت واوا ، فصار الأيدو . وكما قيل في ميقن موقن ، ثم إنه لا يوجد في لسانهم واو ساكنة قبلها ضمة في اسم ، وإذا أدى القياس إلى ذلك ، قلبت تلك الواو ياء وتلك الضمة قبلها كسرة ، فصار الأيدي . وقد تقدم الكلام على اليد عند الكلام على قوله : ( لما بين يديها ) .

الكسب : أصله اجتلاب النفع ، وقد جاء في اجتلاب الضر ، ومنه : بلى من كسب سيئة ، والفعل منه يجيء متعديا إلى واحد ، تقول : كسبت مالا ، وإلى اثنين تقول : كسبت زيدا مالا . وقال ابن الأعرابي ; يقال : كسب هو نفسه وأكسب غيره ، وأنشد :


فأكسبني مالا وأكسبته حمدا



المس : الإصابة ، والمس : الجمع بين الشيئين على نهاية القرب ، واللمس : مثله لكن مع الإحساس ، وقد يجيء المس مع الإحساس . وحقيقة المس واللمس باليد . ونقل من الإحساس إلى المعاني مثل : ( أني مسني الشيطان ) ( يتخبطه الشيطان من المس ) ، ومنه سمي الجنون مسا ، وقيل : المس واللمس والجس متقارب ، إلا أن الجس عام في المحسوسات ، والمس فيما يخفى ويدق ، كنبض العروق ، والمس واللمس بظاهر البشرة ، والمس كناية عن النكاح وعن الجنون . المعدود : اسم مفعول من عد ، بمعنى حسب ، والعدد هو الحساب . الإخلاف : عدم الإيفاء بالشيء الموعود . بلى : حرف جواب لا يقع إلا بعد نفي في اللفظ أو المعنى ، ومعناها : رده ، سواء كان مقرونا به أداة الاستفهام ، أو لم يكن ، وقد وقع جوابا للاستفهام في مثل : هل يستطيع زيد مقاومتي ؟ إذا كان منكرا لمقاومة زيد له ، لما كان معناه النفي ، ومما وقعت فيه جوابا للاستفهام قول الحجاف بن حكيم :


بل سوف نبكيهم بكل مهند     ونبكي نميرا بالرماح الخواطر



[ ص: 271 ] وقعت جوابا للذي قال له ، وهو الأخطل :


ألا فاسأل الحجاف هل هو     ثائر بقتلى أصيبت من نمير بن عامر



وبلى عندنا ثلاثي الوضع ، وليس أصله بل ، فزيدت عليها الألف خلافا للكوفيين . السيئة : فيعلة من ساء يسوء مساءة ، إذا حزن ، وهي تأنيث السييء ، وقد تقدم الكلام على هذا الوزن عند الكلام على قوله : ( أو كصيب ) ، فأغنى عن إعادته .

التالي السابق


الخدمات العلمية