الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 85 ] النوع الثاني .

معرفة الحضري والسفري .

أمثلة الحضري كثيرة .

وأما السفري : فله أمثلة تتبعتها .

منها : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى [ البقرة : 125 ] نزلت بمكة عام حجة الوداع .

فأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر ، قال : لما طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له عمر : هذا مقام أبينا إبراهيم ؟ قال : " نعم " قال : أفلا نتخذه مصلى ؟ فنزلت .

وأخرج ابن مردويه من طريق عمرو بن ميمون ، عن عمر بن الخطاب : أنه مر بمقام إبراهيم فقال : يا رسول الله ، أليس نقوم مقام خليل ربنا ؟ قال : " بلى " قال : أفلا نتخذه مصلى ؟ فلم يلبث إلا يسيرا حتى نزلت .

وقال ابن الحصار : نزلت إما في عمرة القضاء ، أو في غزوة الفتح ، أو في حجة الوداع .

ومنها وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها [ البقرة : 189 ] الآية . روى ابن جرير ، عن الزهري أنها نزلت في عمرة الحديبية . وعن السدي أنها نزلت في حجة الوداع .

[ ص: 86 ] ومنها وأتموا الحج والعمرة لله [ البقرة : 196 ] فأخرج ابن أبي حاتم ، عن صفوان بن أمية قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - متضمخ بالزعفران ، عليه جبة ، فقال : كيف تأمرني في عمرتي ؟ فنزلت ، فقال : أين السائل عن العمرة ؟ ألق عنك ثيابك ، ثم اغتسل . . الحديث .

ومنها : فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه [ البقرة : 196 ] الآية . نزلت بالحديبية كما أخرجه أحمد ، عن كعب بن عجرة الذي نزلت فيه ، والواحدي عن ابن عباس .

ومنها : آمن الرسول [ البقرة : 285 ] الآية . قيل : نزلت يوم فتح مكة ، ولم أقف له على دليل .

ومنها : واتقوا يوما ترجعون فيه [ البقرة : 281 ] الآية . نزلت بمنى عام حجة الوداع ، فيما أخرجه البيهقي في الدلائل .

ومنها : الذين استجابوا لله والرسول [ آل عمران : 172 ] الآية . أخرج الطبراني بسند صحيح عن ابن عباس أنها نزلت بحمراء الأسد .

ومنها : آية التيمم في النساء [ 43 ] . أخرج ابن مردويه ، عن الأسلع بن شريك : أنها نزلت في بعض أسفار النبي .

ومنها : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها [ النساء : 58 ] نزلت يوم الفتح في [ ص: 87 ] جوف الكعبة ، كما أخرجه سنيد في تفسيره ، عن ابن جريج ، وأخرجه ابن مردويه ، عن ابن عباس .

ومنها : وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة [ النساء : 102 ] الآية ، نزلت بعسفان بين الظهر والعصر ، كما أخرجه أحمد ، عن أبي عياش الزرقي .

ومنها : يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة [ النساء : 176 ] أخرج البزار وغيره ، عن حذيفة أنها نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسير له .

ومنها : أول المائدة ، أخرج البيهقي في شعب الإيمان ، عن أسماء بنت يزيد : أنها نزلت بمنى . وأخرج في الدلائل عن أم عمرو ، عن عمها : أنها نزلت في مسير له .

وأخرج أبو عبيدة ، عن محمد بن كعب ، قال : نزلت سورة المائدة في حجة الوداع فيما بين مكة والمدينة .

ومنها : اليوم أكملت لكم دينكم [ المائدة : 3 ] في الصحيح عن عمر : أنها نزلت عشية عرفة يوم الجمعة عام حجة الوداع ، وله طرق كثيرة ، لكن أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري ، أنها نزلت يوم غدير خم .

وأخرج مثله من حديث أبي هريرة ، وفيه : أنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة ، مرجعه من حجة الوداع ، وكلاهما لا يصح .

[ ص: 88 ] ومنها : آية التيمم فيها ، في الصحيح عن عائشة أنها نزلت بالبيداء ، وهم داخلون المدينة . وفي لفظ : " البيداء أو بذات الجيش " .

قال ابن عبد البر في التمهيد : يقال إنه كان في غزوة بني المصطلق ، وجزم به في الاستذكار ، وسبقه إلى ذلك ابن سعد وابن حبان ، وغزوة بني المصطلق هي غزوة المريسيع . واستبعد ذلك بعض المتأخرين ، قال : لأن المريسيع من ناحية مكة بين قديد والساحل ، وهذه القصة من ناحية خيبر ; لقول عائشة بالبيداء أو بذات الجيش ، وهما بين المدينة وخيبر ، كما جزم به النووي ، لكن جزم ابن التين بأن البيداء هي ذو الحليفة .

وقال أبو عبيد البكري : البيداء هو الشرف الذي قدام ذي الحليفة من طريق مكة ، قال : وذات الجيش من المدينة على بريد .

ومنها : ياأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم [ المائدة : 11 ] الآية . أخرج ابن جرير ، عن قتادة قال : ذكر لنا أنها نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ببطن نخل ، في الغزوة السابعة ، حين أراد بنو ثعلبة وبنو محارب أن يفتكوا به ، فأطلعه الله على ذلك .

ومنها : والله يعصمك من الناس [ المائدة : 67 ] . في صحيح ابن حبان : عن أبي هريرة : أنها نزلت في السفر .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن جابر : أنها نزلت في ذات الرقاع بأعلى نخل في غزوة بني أنمار .

ومنها : أول الأنفال ، نزلت ببدر عقب الواقعة ، كما أخرجه أحمد عن سعد بن أبي وقاص .

[ ص: 89 ] ومنها : إذ تستغيثون ربكم [ الأنفال : 9 ] الآية . نزلت ببدر أيضا كما أخرجه الترمذي عن عمر .

ومنها : الذين يكنزون الذهب [ التوبة : 34 ] الآية ، نزلت في بعض أسفاره ، كما أخرجه أحمد عن ثوبان .

ومنها قوله : لو كان عرضا قريبا [ التوبة : 42 ] الآيات ، نزلت في غزوة تبوك ، كما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس .

ومنها : ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب [ التوبة : 56 ] . نزلت في غزوة تبوك ، كما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عمر .

ومنها : ما كان للنبي والذين آمنوا [ التوبة : 113 ] الآية . أخرج الطبراني وابن مردويه ، عن ابن عباس أنها نزلت لما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - معتمرا وهبط من ثنية عسفان ، فزار قبر أمه ، واستأذن في الاستغفار لها .

ومنها : خاتمة النحل ، أخرج البيهقي في الدلائل والبزار ، عن أبي هريرة : أنها نزلت بأحد والنبي - صلى الله عليه وسلم - واقف على حمزة حين استشهد .

وأخرج الترمذي والحاكم ، عن أبي بن كعب : أنها نزلت يوم فتح مكة .

[ ص: 90 ] ومنها : وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها [ الإسراء : 76 ] أخرج أبو الشيخ ، والبيهقي في الدلائل من طريق شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم : أنها نزلت في تبوك .

ومنها : أول الحج ، أخرج الترمذي والحاكم ، عن عمران بن حصين ، قال : لما نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - : ياأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم إلى قوله : ولكن عذاب الله شديد [ الحج : 1 - 2 ] أنزلت عليه هذه وهو في سفر . . . . الحديث .

وعند ابن مردويه من طريق الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : أنها نزلت في مسيره في غزوة بني المصطلق .

ومنها : هذان خصمان [ الحج : 19 ] الآيات . قال القاضي جلال الدين البلقيني : الظاهر أنها نزلت يوم بدر وقت المبارزة لما فيه من الإشارة ب هذان .

ومنها أذن للذين يقاتلون [ الحج : 39 ] الآية ، أخرج الترمذي ، عن ابن عباس ، قال : [ ص: 91 ] لما أخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم ليهلكن ، فنزلت .

قال ابن الحصار : واستنبط بعضهم من هذا الحديث أنها أنزلت في سفر الهجرة .

ومنها : ألم تر إلى ربك كيف مد الظل [ الفرقان : 45 ] الآية . قال ابن حبيب : نزلت بالطائف ولم أقف له على مستند .

ومنها : إن الذي فرض عليك القرآن [ القصص : 85 ] نزلت بالجحفة في سفر الهجرة ، كما أخرجه ابن أبي حاتم عن الضحاك .

ومنها : أول الروم ، روى الترمذي عن أبي سعيد ، قال : لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس ، فأعجب ذلك المؤمنين ، فنزلت الم غلبت الروم إلى قوله ( بنصر الله ) [ الروم : 1 - 5 ] قال الترمذي : غلبت الروم ، يعني بالفتح .

[ ص: 92 ] ومنها : واسأل من أرسلنا من قبلك من الآية [ الزخرف : 45 ] قال ابن حبيب : نزلت ببيت المقدس ليلة الإسراء .

ومنها : وكأين من قرية هي أشد قوة [ محمد : 13 ] الآية . قال السخاوي في " جمال القراء " : قيل : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما توجه مهاجرا إلى المدينة ، وقف فنظر إلى مكة وبكى ، فنزلت .

ومنها : سورة الفتح ، أخرج الحاكم وغيره ، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ، قالا : نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية ، من أولها إلى آخرها . وفي المستدرك أيضا من حديث مجمع بن جارية : أن أولها نزل بكراع الغميم .

[ ص: 93 ] ومنها : ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى [ الحجرات : 13 ] الآية . أخرج الواحدي ، عن ابن أبي مليكة : أنها نزلت بمكة يوم الفتح ، لما رقي بلال على ظهر الكعبة وأذن ، فقال بعض الناس : أهذا العبد الأسود يؤذن على ظهر الكعبة ؟ !

ومنها : ( سيهزم الجمع ) [ القمر : 45 ] الآية ، قيل : إنها نزلت يوم بدر حكاه ابن الفرس ، وهو مردود ، لما سيأتي في النوع الثاني عشر ، ثم رأيت عن ابن عباس ما يؤيده .

ومنها : قال النسفي : قوله : ثلة من الأولين [ الواقعة : 13 ] ، وقوله : أفبهذا الحديث أنتم مدهنون [ الواقعة : 81 ] نزلتا في سفره - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة . ولم أقف له على مستند .

ومنها : وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون [ الواقعة : 82 ] أخرج ابن أبي حاتم من طريق يعقوب بن مجاهد أبي حرزة قال : نزلت في رجل من الأنصار في غزوة تبوك لما نزلوا الحجر فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يحملوا من مائها شيئا ، ثم ارتحل ، ثم نزل منزلا آخر وليس معهم ماء ، فشكوا ذلك ، فدعا ، فأرسل الله سحابة ، فأمطرت عليهم حتى استقوا منها ، فقال رجل من المنافقين : إنما مطرنا بنوء كذا ، فنزلت .

ومنها : آية الامتحان : ياأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن [ الممتحنة : 10 ] الآية . أخرج ابن جرير ، عن الزهري : أنها نزلت بأسفل الحديبية .

[ ص: 94 ] ومنها : سورة " المنافقون " أخرج الترمذي عن زيد بن أرقم : أنها نزلت ليلا في غزوة تبوك . وأخرج عن سفيان أنها في غزوة بني المصطلق . وبه جزم ابن إسحاق وغيره .

ومنها : سورة المرسلات ، أخرج الشيخان ، عن ابن مسعود قال : بينما نحن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غار بمنى إذ نزلت عليه : ( والمرسلات ) . . الحديث .

ومنها : سورة المطففين أو بعضها ، حكى النسفي وغيره : أنها نزلت في سفر الهجرة قبل دخوله - صلى الله عليه وسلم - المدينة .

ومنها : أول سورة " اقرأ " نزل بغار حراء ، كما في الصحيحين .

ومنها : سورة الكوثر . أخرج ابن جرير ، عن سعيد بن جبير : أنها نزلت يوم الحديبية وفيه نظر .

[ ص: 95 ] ومنها : سورة النصر ، أخرج البزار والبيهقي في الدلائل : عن ابن عمر قال : أنزلت هذه السورة : إذا جاء نصر الله والفتح على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوسط أيام التشريق ، فعرف أنه الوداع ، فأمر بناقته القصواء ، فرحلت ، ثم قام فخطب الناس ، فذكر خطبته المشهورة .

التالي السابق


الخدمات العلمية