الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 347 ] 29 - قالوا : أحاديث في الصلاة متناقضة

        إعادة الصلاة مع الجماعة

        قالوا : رويتم عن شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، عن جابر بن يزيد بن الأسود ، عن أبيه : أنه صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا رجلان لم يصليا في ناحية المسجد ، فدعا بهما فجاءا ترعد فرائصهما ، فقال - عليه السلام - : ما منعكما أن تصليا معنا ؟ قالا : قد صلينا في رحالنا . قال - عليه السلام - : فلا تفعلوا ، إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل ، فليصل معه ، فإنها له نافلة .

        ثم رويتم عن معن بن عيسى ، عن سعيد بن السائب الطائفي ، عن نوح بن صعصعة ، عن يزيد بن عامر قال : جئت والنبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة ، فجلست ولم أدخل معهم ، فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ألم تسلم يا يزيد ؟ قلت : بلى يا رسول الله . قال : فما منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم ؟ قلت : إني كنت صليت في منزلي وأنا أحسب أن قد صليتم ، فقال : إذا جئت للصلاة فوجدت الناس يصلون فصل معهم ، وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة .

        [ ص: 348 ] ثم رويتم عن يزيد بن زريع ، عن حسين ، عن عمرو بن شعيب ، عن سليمان مولى ميمونة قال : أتيت ابن عمر وهو على البلاط وهم يصلون ، فقلت : ألا تصلي معهم ؟ قال : قد صليت ، أوما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا تصلوا صلاة في يوم مرتين ؟ قالوا : وهذا تناقض واختلاف وكل حديث منها يوجب غير ما يوجبه الآخر .

        قال أبو محمد : ونحن نقول : إنه ليس في هذه الأحاديث تناقض ولا اختلاف ، أما الحديث الأول فإنه قال : إذا صلى أحدكم في رحله ، ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه فإنها له نافلة يريد أن الصلاة التي صلى مع الإمام نافلة والأولى هي الفريضة ؛ لأن النية قد تقدمت بأدائها حتى كملت وتقضت والأعمال بالنيات .

        وأما الحديث الثاني فقال : إذا جئت للصلاة فوجدت الناس يصلون فصل معهم ، وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة ، كأنه قال : تكن لك هذه الصلاة التي صليت مع الإمام نافلة وهذه الأخرى التي صليتها في بيتك مكتوبة ، ولو جعل مكان قوله : " هذه " و " تلك " مكتوبة ، كان أوضح للمعنى ولا فرق بينهما ، وإنما يشكل بقوله : " وهذه " ، فأغفل بعض الرواة هذه في الموضع الأول وذكره في الموضع الثاني وجعله مكان تلك ، [ ص: 349 ] وقد ذكرت لك مثل هذا من إغفال النقلة للحرف ، والشيء اليسير يتغير به المعنى .

        وأما الحديث الثالث الذي ذكر فيه ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تصلوا صلاة في يوم مرتين ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تصلوا فريضة في يوم مرتين ، كأنك صليت في منزلك الظهر مرة ، ثم صليتها مرة أخرى ، أو صليتها مع إمام ، ثم أعدتها مع إمام آخر .

        فاستعمل ما سمع من هذا الحديث في الموضع الذي أطلق فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي الرجل ويجعله نافلة ، ولعله لم يكن سمع هذا ولم يبلغه ، ومن صلى في منزله الفريضة وصلى مع الإمام تلك الصلاة وجعلها نافلة لم يصل صلاة في يوم مرتين ؛ لأن هاتين صلاتان مختلفتان إحداهما فريضة والأخرى نافلة .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية