الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 19 ] باب شهادة النساء لا رجل معهن ، والرد على من أجاز شهادة امرأة من هذا الكتاب ، ومن كتاب اختلاف ابن أبي ليلى وأبي حنيفة

                                                                                                                                            قال الشافعي رحمه الله : " والولادة ، وعيوب النساء ، مما لم أعلم فيه مخالفا في أن شهادة النساء جائزة فيه لا رجل معهن " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما الولادة ، فلا اختلاف بين الفقهاء في أنه يجوز أن تقبل فيها شهادة النساء منفردات ، وإنما اختلفوا في علة الجواز ، فعند الشافعي ، أنه مما لا يحضره الرجال ، وعند أبي حنيفة ، أنه مما لا يباشره إلا النساء .

                                                                                                                                            وأما الشهادة فيما سوى ذلك من أحوال أبدانهن ، فتنقسم ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : ما اتفقوا على جواز شهادة النساء المنفردات فيه ، وهو ما حرم على ذوي المحارم تعمد النظر إليه فيما بين السرة والركبة ، سواء كان في الفرج كالقرن ، والرتق أو كان مما عداه من برص أو غيره ، تعليلا عند الشافعي بأنه لا يشاهده الرجال ، وتعليلا عند أبي حنيفة بأنه لا يباشره إلا النساء .

                                                                                                                                            فإن قيل : فهي عورة من المرأة تحرم على الرجال والنساء ، فلم جوزتم فيها شهادة النساء مع مشاركتهن للرجال في التحريم ؟

                                                                                                                                            قيل : لأنها في حقوق الرجال أغلظ تحريما منها في حقوق النساء ، لأن تحريمها في الرجال مختص بمعنيين :

                                                                                                                                            أحدهما : ستر العورة .

                                                                                                                                            والثاني : قطع الشهوة .

                                                                                                                                            وتحريمها في النساء مختص بمعنى واحد ، وهو ستر العورة ، فلما دعت الضرورة فيه إلى الشهادة أبيحت لأخف الجنسين حظرا .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : ما لا يقبل فيه إلا الرجال دون النساء ، وهو ما لم يكن من عورات أبدانهن ، كالوجه والكفين ، فلا يقبل في عيوبه إلا شهادة الرجال دون النساء إجماعا ، لخروجه عن العورة في حقوق الرجال والنساء ، فلم تدع الضرورة فيه إلى انفراد النساء .

                                                                                                                                            [ ص: 20 ] والقسم الثالث : ما اختلف فيه ، وهو فيما كان عورة مع الأجانب ، ولم يكن عورة مع ذوي المحارم ، كالذي علا عن السرة وانحدر عن الوجه والكفين ، ومنه الرضاع من الثديين ، فمذهب مالك ، أنه يجوز أن يقبل فيه شهادة النساء منفردات ، لتحريمه على الأجانب ، وعند أبي حنيفة ، لا يقبل فيه شهادة النساء منفردات ، لإباحته لذوي المحارم ، وقد مضت هذه المسألة في الرضاع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية