الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ نقض الحكم ] .

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - : من اجتهد من الحكام فقضى باجتهاد ثم رأى أن اجتهاده خطأ أو ورد على قاض غيره فسواء فما خالف كتابا أو سنة أو إجماعا أو ما في معنى هذا رده وإن كان يحتمل ما ذهب إليه ويحتمل غيره لم يرده وحكم فيما استأنف بالذي هو الصواب عنده " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح إذا بان للقاضي أنه قد أخطأ في حكمه أو بان له أن غيره من القضاة قد أخطأ في حكمه فذلك ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يخطئ فيما يسوغ فيه الاجتهاد .

                                                                                                                                            والثاني : أن يخطئ فيما لا يسوغ فيه الاجتهاد .

                                                                                                                                            فإن أخطأ فيما يسوغ فيه الاجتهاد وهو أن يخالف أولى القياسين من قياس المعنى الخفي أو أولاهما من قياس التقريب في الشبه كان حكمه نافذا وحكم غيره من القضاة به نافذا لا يتعقب بفسخ ولا نقض .

                                                                                                                                            فإن عمر لم يشرك في عام وشرك في عام فلما قيل له : إنك لم تشرك في العام [ ص: 173 ] الماضي بين ولد الأم وبين ولد الأب والأم فكيف تشرك الآن ؟ قال تلك على ما قضينا وهذه على ما قضينا .

                                                                                                                                            وحكم أبو بكر بالتسوية بين المهاجرين والأنصار في العطاء ولم يفضل بالسابقة وقال : " إنما عملوا لله وإنما أجورهم على الله وإنما الدنيا بلاغ " ولم يفرض للعبيد مع ساداتهم .

                                                                                                                                            وفضل عمر بين المهاجرين والأنصار بالسابقة وفرض للعبيد .

                                                                                                                                            وسوى علي بين المهاجرين والأنصار كفعل أبي بكر وفرض للعبيد كفعل عمر .

                                                                                                                                            ولم ينقض بعضهم حكم بعض لنفوذه باجتهاد سائغ .

                                                                                                                                            فإن قيل : فقد نقض علي حكم شريح في ابني عم أحدهما أخ لأم حين حكم بالميراث لابن العم الذي هو أخ لأم وأجراهما مجرى أخوين أحدهما لأب والآخر لأب وأم .

                                                                                                                                            فعنه جوابان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه رده عنه قبل نفوذ حكمه به .

                                                                                                                                            والثاني : نقضه عليه بعد نفوذه ، لأنه خالف فيه ظاهر النص في قوله تعالى : وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس [ النساء : 12 ] .

                                                                                                                                            وإذا ثبت ما ذكرنا ولم يجز له نقض ما ثبت باجتهاد مسوغ لم يجز أن يحكم في المستقبل إلا باجتهاد ثان دون الأول .

                                                                                                                                            ولو بان له فساد الاجتهاد الأول قبل تنفيذ الحكم به حكم بالاجتهاد الثاني دون الأول .

                                                                                                                                            ومثال ذلك ما يقوله في المجتهد في القبلة إن بان له بالاجتهاد خطأ ما تقدم من اجتهاده قبل صلاته عمل على اجتهاده الثاني دون الأول ، وإن بان له بعد صلاته لم يعد ما صلى واستقبل الصلاة الثانية بالاجتهاد الثاني .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية