الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 195 ] 111

ثم دخلت سنة إحدى عشرة ومائة

ذكر عزل أشرس عن خراسان واستعمال الجنيد

في هذه السنة عزل هشام أشرس بن عبد الله عن خراسان .

وكان سبب ذلك أن شداد بن خليد الباهلي شكاه إلى هشام ، فعزله واستعمل الجنيد بن عبد الرحمن على خراسان ، وهو الجنيد بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث بن خارجة بن سنان بن أبي حارثة المري . وكان سبب استعماله أنه أهدى لأم حكيم بنت يحيى بن الحكم امرأة هشام قلادة في جوهر ، فأعجبت هشاما ، فأهدى لهشام قلادة أخرى ، فاستعمله وحمله على ثمانية من البريد ، فقدم خراسان في خمسمائة وسار إلى ما وراء النهر ، وسار معه حطاب بن محرز السلمي خليفة أشرس بخراسان وقطعا النهر .

وأرسل الجنيد إلى أشرس وهو يقاتل أهل بخارى والصغد : أن أمدني بخيل ، وخاف أن يقتطع دونه ، فوجه إليه أشرس عامر بن مالك الحماني ، فلما كان عامر ببعض الطريق عرض له الترك والصغد ، فدخل حائطا حصينا وقاتلهم على الثلمة ، ومعه ورد بن زياد بن أدهم بن كلثوم ابن أخي الأسود بن كلثوم وواصل بن عمرو القيسي . فخرج واصل وعاصم بن عمير السمرقندي ومعهما غيرهما ، فاستداروا حتى صاروا من وراء الماء الذي هناك . ثم جمعوا قصبا وخشبا وعبروا عليه ، فلم يشعر خاقان إلا والتكبير من خلفه ، وحمل المسلمون على الترك ، ( فقاتلوهم فقتلوا عظيما من عظمائهم ) وانهزم الترك ، وسار عامر إلى الجنيد ، فلقيه وأقبل معه ، وعلى مقدمة الجنيد عمارة بن حريم ، فلما انتهى إلى فرسخين من بيكند تلقته خيل الترك فقاتلهم ، فكاد الجنيد يهلك ومن معه ، ثم أظهره الله وسار حتى قدم العسكر ، فظفر الجنيد وقتل الترك ، وزحف إليه [ ص: 196 ] خاقان ، فالتقوا دون رزمان من بلاد سمرقند ، وقطن بن قتيبة على ساقة الجنيد . فأسر الجنيد من الترك ابن أخي خاقان في هذه الغزاة فبعث به إلى هشام .

وكان الجنيد قد استخلف في غزوته هذه مجشر بن مزاحم السلمي على مرو ، وولى سورة بن الحر التميمي بلخا ، وأوفد لما أصاب في وجهه هذا وفدا إلى هشام ، ورجع الجنيد إلى مرو وقد ظفر ، فقال خاقان : هذا غلام مترف هزمني العام وأنا مهلكه في قابل .

واستعمل الجنيد عماله ولم يستعمل إلا مضريا ، استعمل قطن بن قتيبة على بخارى ، والوليد بن القعقاع العبسي على هراة ، وحبيب بن مرة العبسي على شرطه ، وعلى بلخ مسلم بن عبد الرحمن الباهلي ، وكان عليها نصر بن سيار ، وكان ما بينه وبين الباهليين متباعدا لما كان بينهم بالبروقان ، وأرسل مسلم إلى نصر فصادفوه نائما ، فجاءوا به في قميص ليس عليه سراويل ملببا ، فقال شيخ من مضر : جئتم به على هذه الحال ! فعزل الجنيد مسلما عن بلخ واستعمل يحيى بن ضبيعة ، واستعمل على خراج سمرقند شداد بن خليد الباهلي .

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة غزا معاوية بن هشام الصائفة اليسرى ، وغزا سعيد بن هشام الصائفة اليمنى حتى أتى قيسارية ، وغزا في البحر عبد الله بن أبي مريم .

واستعمل هشام على عامة الناس من الشام ومصر الحكم بن قيس بن مخرمة بن عبد المطلب بن عبد مناف .

وفيها سارت الترك إلى أذربيجان فلقيهم الحارث بن عمرو فهزمهم .

[ ص: 197 ] وفيها استعمل هشام الجراح بن عبد الله الحكمي على إرمينية ، وعزل أخاه مسلمة بن عبد الملك ، فدخل بلاد الخزر من ناحية تفليس ، ففتح مدينتهم البيضاء وانصرف سالما ، فجمعت الخزر وحشدت ، وسارت إلى بلاد الإسلام ، وكان سبب قتل الجراح ، على ما نذكره إن شاء الله تعالى .

وفيها عزل عبيدة بن عبد الرحمن ، عامل إفريقية ، عثمان بن نسعة عن الأندلس ، واستعمل بعده الهيثم بن عبيد الكناني ، وقدمها في المحرم سنة إحدى عشرة ومائة ، وتوفي في ذي الحجة من السنة ، فكانت ولايته عشرة أشهر .

وحج بالناس هذه السنة إبراهيم بن هشام المخزومي ، فكان العمال من تقدم ذكرهم إلا خراسان كان بها الجنيد ، وكان بإرمينية الجراح بن عبد الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية