الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 340 ] 26 - قالوا : حديث يحتج به الروافض في إكفار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم

        قالوا : رويتم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليردن علي الحوض أقوام ، ثم ليختلجن دوني ، فأقول يا رب أصيحابي أصيحابي ، فيقال لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ، قالوا : وهذه حجة للروافض في إكفارهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا عليا ، وأبا ذر ، والمقداد ، وسلمان ، وعمار بن ياسر ، وحذيفة .

        قال أبو محمد : ونحن نقول : إنهم لو تدبروا الحديث وفهموا ألفاظه لاستدلوا على أنه لم يرد بذلك إلا القليل ، يدلك على ذلك قوله : ليردن علي الحوض أقوام ، ولو كان أرادهم جميعا إلا من ذكروا لقال لتردن علي الحوض ، ثم لتختلجن دوني ، ألا ترى أن القائل إذا قال : أتاني اليوم أقوام من بني تميم ، وأقوام من أهل الكوفة ، فإنما يريد قليلا من كثير ، ولو أراد أنهم أتوه إلا نفرا [ ص: 341 ] يسيرا قال : أتاني بنو تميم وأتاني أهل الكوفة ، ولم يجز أن يقول قوم ؛ لأن القوم هم الذين تخلفوا .

        ويدلك أيضا قوله : يا رب أصيحابي بالتصغير ، وإنما يريد بذلك تقليل العدد ، كما تقول مررت بأبيات متفرقة ، ومررت بجميعة ، ونحن نعلم أنه قد كان يشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المشاهد ويحضر معه المغازي المنافق لطلب المغنم ، والرقيق الدين ، والمرتاب ، والشاك ، وقد ارتد بعده أقوام منهمعيينة بن حصن ، ارتد ولحق بطليحة بن خويلد حين تنبأ وآمن به ، فلما هزم طليحة هرب فأسره خالد بن الوليد وبعث به إلى أبي بكر - رضي الله عنه - في وثاق ، فقدم به المدينة فجعل غلمان المدينة ينخسونه بالجريد ويضربونه ويقولون : أي عدو الله كفرت بالله بعد إيمانك ، فيقول عدو الله : والله ما كنت آمنت ، فلما كلمه أبو بكر - رضي الله عنه - رجع إلى الإسلام فقبل منه وكتب له أمانا ، ولم يزل بعد ذلك رقيق الدين حتى مات .

        وهو الذي كان أغار على لقاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغابة ، فقال له الحارث بن عوف : ما جزيت محمدا - صلى الله عليه وسلم - أسمنت في بلاده ثم غزوته ؟ فقال : هو ما ترى .

        وفيه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هذا الأحمق المطاع . ولعيينة بن حصن أشباه ارتدوا حين ارتدت العرب ، فمنهم من رجع وحسن إسلامه ، ومنهم من ثبت على النفاق ، وقد قال الله - تبارك وتعالى - : وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم الآية ، فهؤلاء هم الذين يختلجون دونه .

        [ ص: 342 ] وأما جميع أصحابه إلا الستة الذين ذكروا فكيف يختلجون ، وقد تقدم قول الله - تبارك وتعالى - فيهم : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم إلى آخر السورة ، وقوله تعالى : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة .

        قال أبو محمد : وحدثني زيد بن أخزم الطائي قال : أنا أبو داود ، قال : حدثنا قرة بن خالد عن قتادة قال : قلت لسعيد بن المسيب : كم كانوا في بيعة الرضوان ؟ قال : خمس عشرة مائة ، قال : قلت فإن جابر بن عبد الله قال : كانوا أربع عشرة مائة . قال : أوهم - رحمه الله - هو الذي حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة .

        فكيف يجوز أن يرضى الله - عز وجل - عن أقوام ويحمدهم ويضرب لهم مثلا في التوراة والإنجيل وهو يعلم أنهم يرتدون على أعقابهم بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ ! إلا أن يقولوا إنه لم يعلم ، وهذا هو شر الكافرين .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية