الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              234 - محمد ابن الحنفية

              ومنهم الإمام اللبيب ، ذو اللسان الخطيب ، الشهاب الثاقب ، والنصاب العاقب ، صاحب الإشارات الخفية ، والعبارات الجلية ، أبو القاسم محمد ابن الحنفية .

              حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا حاتم بن اللبيب ، ثنا هوذة بن خليفة ، ثنا عوف الأعرابي ، عن ميمون ، عن وردان ، قال : كنت في العصابة الذين ابتدروا إلى محمد بن علي ابن الحنفية ، وكان ابن الزبير منعه أن يدخل مكة حتى يبايعه فأبى أن يبايعه ، وأراد الشام أن يدخلها فمنعه عبد الملك بن مروان أن يدخلها حتى يبايعه فأبى ، فسرنا معه ولو أمرنا بالقتال لقاتلنا معه ، فجمعنا يوما فقسم لنا فيئا يسيرا ، ثم حمد الله تعالى فأثنى عليه . وقال : الحقوا برحالكم واتقوا الله وعليكم بما تعرفون ، ودعوا ما تنكرون ، عليكم أنفسكم ودعوا أمر العامة ، واستقروا على أمرنا كما استقرت السماء والأرض ، فإن أمرنا إذا جاء كالشمس الضاحية .

              حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الوهاب ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا حاتم بن الليث الجوهري ، ثنا موسى بن إسماعيل ، ثنا أبو عوانة ، عن أبي حمزة ، قال : كنت مع محمد بن علي فسرنا من الطائف إلى أيلة بعد موت ابن عباس بزيادة على أربعين ليلة ، وكان عبد الملك قد كتب لمحمد ابن الحنفية عهدا على أن يدخل هو وأصحابه في أرضه [ ص: 175 ] حتى يصطلح الناس على رجل ، فلما قدم الشام بعث إليه محمد بن علي أن تؤمن أصحابي ففعل . فقام فحمد الله وأثنى عليه . ثم قال : الله ولي الأمور كلها وحاكمها ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، إن كل ما هو آت قريب ، عجلتم بالأمر قبل نزوله . والذي نفسي بيده إن في أصلابكم لمن يقاتل مع آل محمد ، ما يخفى على أهل الشرك أمر آل محمد ، فأمر آل محمد مستأخر ، والذي نفسي بيده ليعودن فيكم كما بدأ ، الحمد لله الذي حقن دماءكم . من أحب منكم أن يأتي مأمنه إلى بلده آمنا محفوظا فليفعل ، فانصرف عنه أصحابه وبقي معه تسعمائة رجل ، فأحرم بعمرة وقلد هديا فقدم مكة - ونحن معه - فلما أردنا أن ندخل مكة تلقتنا خيل ابن الزبير فمنعتنا أن ندخل ، وأرسل إليه محمد بن علي لقد خرجت عنك وما أريد أن أقاتلك ، ورجعت وما أريد أن أقاتلك ، دعنا فلندخل لنقضي نسكنا ثم لنخرج عنك ، فأبى ومنعنا الهدي ، فرجع محمد بن علي إلى المدينة ورجعنا ، فكنا بالمدينة حتى قتل ابن الزبير ، فخرج إلى مكة وخرجنا معه ، فنزل الشعب حتى قضينا نسكنا ، وقد رأيت القمل يتناثر من محمد بن علي ، فلما قضينا نسكنا رجعنا إلى المدينة ، فمكث محمد بن علي ثلاث شهور ثم توفي رحمه الله .

              حدثنا أبو حامد بن جبلة ، ثنا أبو العباس الثقفي ، ثنا محمد بن الصباح ، ثنا جرير ، عن عمرو بن ثابت ، قال : قال محمد ابن الحنفية : ترون أمرنا لهو أبين من هذه الشمس ، فلا تعجلوا ولا تقتلوا أنفسكم .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أبو خليفة ، ثنا عبيد الله بن عائشة ، ثنا عبد الله بن المبارك ، عن الحسين بن عمر التيمي ، عن منذر الثوري ، قال : قال محمد ابن الحنفية : ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد بدا من معاشرته حتى يجعل الله له فرجا ومخرجا .

              حدثنا أبو حامد ، ثنا أبو العباس ، ثنا علي بن سعيد البغدادي ، ثنا ضمرة بن ربيعة ، عن سعيد بن الحسين ، قال : قال لي محمد ابن الحنفية رحمه الله : من كف يده ولسانه وجلس في بيته ، فإن ذنوب بني أمية أسرع عليهم من سيوف المسلمين .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية