الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الوتر بركعة

                                                                                                          461 حدثنا قتيبة حدثنا حماد بن زيد عن أنس بن سيرين قال سألت ابن عمر فقلت أطيل في ركعتي الفجر فقال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل مثنى مثنى ويوتر بركعة وكان يصلي الركعتين والأذان في أذنه يعني يخفف قال وفي الباب عن عائشة وجابر والفضل بن عباس وأبي أيوب وابن عباس قال أبو عيسى حديث ابن عمر حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين رأوا أن يفصل الرجل بين الركعتين والثالثة يوتر بركعة وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحق

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن أنس بن سيرين ) هو أخو محمد بن سيرين ثقة .

                                                                                                          قوله : ( أطيل في ركعتي الفجر ) بتقدير همزة الاستفهام ، والمراد بركعتي الفجر سنة الفجر وفي رواية البخاري : قلت لابن عمر : أرأيت الركعتين قبل صلاة الغداة أطيل فيهما القراءة ( يصلي من الليل مثنى مثنى ) بلا تنوين لعدم انصرافه للعدل والوصف على ما قاله سيبويه أي ثنتين ثنتين . قال ابن الملك : استدل أبو يوسف ومحمد والشافعي به على أن الأفضل في صلاة الليل أن يسلم من كل ركعتين ( ويوتر بركعة ) فيه مشروعية الإيتار بركعة واحدة وهو الحق ( وكان يصلي الركعتين ) أي سنة الفجر ( والأذان في أذنه ) وفي رواية البخاري : وكأن الأذان بأذنيه ، قال حماد أي بسرعة .

                                                                                                          [ ص: 455 ] قال الحافظ في الفتح قوله : بأذنيه أي لقرب صلاته من الأذان ، والمراد به هاهنا الإقامة ، فالمعنى أنه كان يسرع بركعتي الفجر إسراع من يسمع إقامة الصلاة خشية فوات أول الوقت ، ومقتضى ذلك تخفيف القراءة فيهما فيحصل به الجواب عن سؤال أنس بن سيرين عن قدر القراءة فيهما ، قال وقوله بسرعة هو تفسير من الراوي لقوله كأن الأذان بأذنيه ، انتهى . وقال النووي قال القاضي : المراد بالأذان هنا الإقامة ، وهو إشارة إلى شدة تخفيفها بالنسبة إلى باقي صلاته صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عائشة وجابر والفضل بن عباس وأبي أيوب وابن عباس ) أما حديث عائشة فأخرجه الشيخان عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة الحديث . وأما حديث جابر فأخرجه محمد بن نصر في قيام الليل بلفظ : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى وأوتر بواحدة . وأما حديث الفضل بن عباس فأخرجه أيضا محمد بن نصر في قيام الليل وفيه : فتوضأ ، ثم صلى ركعتين ركعتين حتى صلى عشر ركعات ، ثم سلم ، ثم قام فصلى سجدة فأوتر بها ونادى المنادي عند ذلك . قال محمد بن نصر فجعل هذه الرواية عن الفضل بن عباس ، والناس إنما رووا هذا الحديث عن عبد الله بن عباس وهو المحفوظ عندنا ، انتهى . وأما حديث أبي أيوب فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه عنه مرفوعا : الوتر حق على كل مسلم فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل ، وقد تقدم أن وقفه هو صواب . وأما حديث ابن عباس فأخرجه محمد بن نصر بإسناده عن أبي مجلز : سألت ابن عباس عن الوتر فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الوتر ركعة من آخر الليل .

                                                                                                          قوله : ( حديث ابن عمر حديث حسن صحيح ) فأخرجه الشيخان .

                                                                                                          قوله : ( والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين رأوا أن يفصل الرجل بين الركعتين والثالثة يوتر بركعة ، وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق ) واستدلوا بأحاديث الباب وبحديث القاسم بن محمد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بركعة . رواه [ ص: 456 ] الدارقطني وإسناده صحيح ، وبحديث عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يفصل بين الوتر والشفع بتسليمة ويسمعناها . قال الحافظ في التلخيص بعد ذكره : رواه أحمد وابن حبان وابن السكن في صحيحيهما ، والطبراني من حديث إبراهيم الصائغ عن نافع عن ابن عمر به وقواه أحمد ، انتهى .

                                                                                                          قال محمد بن نصر بعد رواية حديث ابن عمر رضي الله عنه بلفظ : إن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال : صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى ما لفظه : فالذي يختاره لمن صلى بالليل في رمضان وغيره أن يسلم بين كل ركعتين حتى إذا أراد أن يوتر صلى ثلاث ركعات يقرأ في الركعة الأولى بـ سبح اسم ربك الأعلى ، وفي الثانية بـ قل يا أيها الكافرون ويتشهد في الثانية ويسلم ، ثم يقوم فيصلي ركعة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب و قل هو الله أحد والمعوذتين . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بسبع لم يجلس إلا في السادسة والسابعة ولم يسلم إلا في آخرهن : وقد روي عنه أنه أوتر بتسع لم يجلس إلا في الثامنة والتاسعة ، وكل ذلك جائز أن يعمل به اقتداء به صلى الله عليه وسلم ، غير أن الاختيار ما ذكرنا ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن صلاة الليل أجاب أن صلاة الليل مثنى مثنى فاخترنا ما هو اختيار لأمته ، وأجزنا فعل من اقتدى به ففعل مثل فعله إذ لم يرو عنه نهي عن ذلك بل قد روي عنه أنه قال : من شاء فليوتر بخمس ومن شاء فليوتر بثلاث ، ومن شاء فليوتر بواحدة ، غير أن الأخبار التي رويت عنه أنه أوتر بواحدة هي أثبت وأصح وأكثر عند أهل العلم بالأخبار . وقد روينا عن جماعة من السلف من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أوتروا بركعة : ثم ذكر محمد بن نصر الأخبار المروية عن السلف في الوتر بركعة ، فنحن نذكر هاهنا بعضا منها من كتابه قيام الليل وغيره .

                                                                                                          روى البخاري في صحيحه عن ابن أبي مليكة قال : أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس فأتى ابن عباس ، فقال : دعه فإنه قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                          وروى الطحاوي والدارقطني بإسناد حسن عن عبد الرحمن التيمي قال : قلت : لا يغلبني الليلة على المقام أحد ، فقمت أصلي فوجدت حس رجل من خلف ظهري فإذا عثمان بن عفان فتنحيت له فتقدم فاستفتح القرآن حتى ختم ، ثم ركع وسجد ، فقلت أوهم الشيخ ؟ ، فلما صلى قلت : يا أمير المؤمنين إنما صليت ركعة واحدة ، فقال : أجل هي وتري .

                                                                                                          وروى الطحاوي بإسناد حسن عن عبد الله بن سلمة قال : أمنا سعد بن أبي وقاص في صلاة العشاء الآخرة ، فلما انصرف تنحى في ناحية المسجد فصلى ركعة فأتبعته فأخذت بيده فقلت [ ص: 457 ] يا أبا إسحاق ، ما هذه الركعة فقال : وتر أنام عليه .

                                                                                                          وفي كتاب قيام الليل عن المطلب بن عبد الله المخزومي قال : أتى عبد الله بن عمر رجل فقال : كيف أوتر ؟ قال أوتر بواحدة ، قال إني أخشى أن يقول الناس إنها البتيراء ، قال : أسنة الله وسنة رسوله تريد ؟ هذه سنة الله وسنة رسوله .

                                                                                                          وعن حنش الصنعاني ، قال : كان أبي بن كعب حين أمره عمر بن الخطاب أن يقوم بالناس يسلم في اثنتين من الوتر : ثم قرأ بعده زيد بن ثابت فسلم في ثلاث ، فقال له ابن عمر : لم سلمت في ثلاث ؟ فقال : إنما فعلت ذلك لئلا ينصرف الناس فلا يوترون .

                                                                                                          وعن نافع سمعت معاذا القاري يسلم بين الشفع والوتر وهو يؤم الناس في رمضان بالمدينة على عهد عمر بن الخطاب .

                                                                                                          وعنه : كنا نقوم في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يؤمنا معاذ فكان يسلم رافعا صوته ، ثم يقوم فيوتر بواحدة ، وكان يصلي معه رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أر أحدا يعيب ذلك عليه .

                                                                                                          وعن السائب بن يزيد أن عثمان بن عفان قرأ القرآن في ركعة أوتر بها .

                                                                                                          وعن مالك بن دينار عن مولى لعلي بن أبي طالب أن علي بن أبي طالب أوتر بركعة .

                                                                                                          وعن شرحبيل أنه رأى سعدا دخل المسجد فصلى ركعة أوتر بها ، ثم خرج .

                                                                                                          وعن أبي عبيد الله رأيت أبا الدرداء وفضالة بن عبيد ومعاذ بن جبل يوتر كل واحد منهم بركعة . وذكر محمد بن نصر في هذا الباب آثارا أخرى من شاء الوقوف عليها فليرجع إليه .




                                                                                                          الخدمات العلمية