الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الباب الثاني

في معرفة ما يقضى به

وأما فيما يحكم ، فاتفقوا أن القاضي يحكم في كل شيء من الحقوق كان حقا لله أو حقا للآدميين ، وأنه نائب عن الإمام الأعظم في هذا المعنى وأنه يعقد الأنكحة ويقدم الأوصياء ، وهل يقدم الأئمة في المساجد الجامعة ؟ فيه خلاف ، وكذلك هل يستخلف ؟ فيه خلاف في المرض والسفر إلا أن يؤذن له ، وليس ينظر في الجباة ولا في غير ذلك من الولاة ، وينظر في التحجير على السفهاء عند من يرى التحجير عليهم .

ومن فروع هذا الباب هل ما يحكم فيه الحاكم نحلة للمحكوم له به ، وإن لم يكن في نفسه حلالا ؟ وذلك أنهم أجمعوا على أن حكم الحاكم الظاهر الذي يعتريه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا ، وذلك في الأموال خاصة لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا ، فإنما أقطع له قطعة من النار " .

واختلفوا في حل عصمة النكاح أو عقده بالظاهر الذي يظن الحاكم أنه حق وليس بحق ، إذ لا يحل حرام ، ولا يحرم حلال بظاهر حكم الحاكم دون أن يكون الباطن كذلك هل يحل ذلك أم لا ؟ فقال الجمهور : الأموال والفروج في ذلك سواء ، لا يحل حكم الحاكم منها حراما ولا يحرم حلالا ، وذلك مثل أن يشهد شاهدا زور في امرأة أجنبية أنها زوجة لرجل أجنبي ليست له بزوجة ، فقال الجمهور : لا تحل له وإن أحلها الحاكم بظاهر الحكم ، وقال أبو حنيفة وجمهور أصحابه : تحل له .

فعمدة الجمهور عموم الحديث المتقدم ، وشبهة الحنفية أن الحكم باللعان ثابت بالشرع ، وقد علم أن أحد المتلاعنين كاذب ، واللعان يوجب الفرقة ، ويحرم المرأة على زوجها الملاعن لها ويحلها لغيره ، فإن كان هو الكاذب فلم تحرم عليه إلا بحكم الحاكم ، وكذلك إن كانت هي الكاذبة; لأن زناها لا يوجب فرقتها على قول أكثر الفقهاء ، والجمهور أن الفرقة هاهنا إنما وقعت عقوبة للعلم بأن أحدهما كاذب .

التالي السابق


الخدمات العلمية