الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1799 (باب هل يقال: رمضان أو شهر رمضان، ومن رأى كله واسعا)

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي: هذا باب يقال فيه: هل يقال؛ أي: هل يجوز أن يقال: رمضان، من غير شهر معه، أو يقال: شهر رمضان. قوله: " هل يقال" على صيغة المجهول رواية الأكثرين، وفي رواية السرخسي والمستملي: باب هل يقول، أي الإنسان أو القائل. قوله: " ومن رأى كله واسعا" من جملة الترجمة؛ أي: من رأى القول بمجرد رمضان أو بقيده بشهر واسعا؛ أي: جائزا لا حرج على قائله، وفي رواية الكشميهني: ومن رآه، بهاء الضمير، وإنما أطلق الترجمة ولم يفصح بالحكم؛ للاختلاف فيه على عادته في ذلك، فالذي اختاره المحققون والبخاري منهم: لا يكره أن يقال: جاء رمضان، ولا صمنا رمضان، وكان عطاء ومجاهد يكرهان أن يقولا: رمضان، وإنما كانا يقولان كما قال الله تعالى: شهر رمضان ؛ لأنا لا ندري لعل رمضان اسم من أسماء الله تعالى ، وحكاه البيهقي عن الحسن أيضا قال: والطريق إليه وإلى مجاهد ضعيفة، وهو قول أصحاب مالك، وقال النحاس: وهذا قول ضعيف؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نطق به فذكر ما ذكره البخاري، وفي (التوضيح): وهناك قول ثالث، وهو قول أكثر أصحابنا، إن كان هناك قرينة تصرفه إلى الشهر فلا كراهة، وإلا فيكره.

                                                                                                                                                                                  قالوا: ويقال: قمنا رمضان، ورمضان أفضل الأشهر، وإنما يكره أن يقال: قد جاء رمضان، ودخل رمضان، وحضر، ونحو ذلك. (فإن قلت): في (كامل) ابن عدي: عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقولوا: رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى، ولكن قولوا: شهر رمضان " (قلت): قال أبو حاتم : هذا خطأ، وإنما هو قول أبي هريرة، وفيه أبو معشر نجيح المدني، وضعفه ابن عدي الذي خرجه، وقال بعضهم: أشار البخاري بهذه الترجمة إلى دفع حديث ضعيف، ثم ذكر هذا الذي خرجه ابن عدي. (قلت): هذا القائل أخذ هذا الذي قاله من كلام صاحب (التلويح) فإنه قال: وإنما كان البخاري أراد بالتبويب دفع ما رواه أبو معشر نجيح في (كامل) ابن عدي، وهو الذي ذكرناه، وهل هذا إلا أمر عجيب من هذين المذكورين، فإن لفظ الترجمة: هل يقال: رمضان أو شهر رمضان؟ من أين يدل على هذا؟ فمن أي قبيل هذه الدلالة؟ وأيضا من قال: إن البخاري اطلع على هذا الحديث أو وقف عليه حتى يرده بهذه الترجمة؟

                                                                                                                                                                                  قوله: " رمضان" قال الزمخشري: رمضان مصدر رمض؛ إذا احترق من الرمضاء، فأضيف إليه الشهر، وجعل علما ومنع الصرف للتعريف والألف والنون، وسموه بذلك لارتماضهم فيه من حر الجوع ومقاساة شدته، كما سموه ناتقا؛ لأنه كان ينتقهم، أي: يزعجهم إضجارا بشدته عليهم، وقيل: لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر. (قلت): كانوا يقولون للمحرم: المؤتمر، ولصفر: ناجر، ولربيع الأول: خوان، ولربيع الآخر: وبصان، ولجمادى الأولى: ربى، ولجمادى الآخر: حنين، ولرجب: الأصم، ولشعبان: عاذل، [ ص: 266 ] ولرمضان: ناتق، ولشوال: وعل، ولذي القعدة: ورنة، ولذي الحجة: برك. وفي (الغريبين): هو مأخوذ من رمض الصائم يرمض؛ إذا حر جوفه من شدة العطش، وفي (المغيث): اشتقاقه من رمضت النصل أرمضه رمضا؛ إذا جعلته بين حجرين ودققته ليرق، سمي به لأنه شهر مشقة؛ ليذكر صائموه ما يقاسي أهل النار فيها، وقيل: من رمضت في المكان يعني احتبست؛ لأن الصائم يحتبس عما نهي عنه.

                                                                                                                                                                                  وفعلان لا يكاد يوجد من باب فعل، وهو في باب فعل بالفتح كثير، وقال ابن خالويه: تقول العرب: جاء فلان يغدو رمضا ورمضا وترميضا ورمضانا؛ إذا كان قلقا فزعا. وفي (المحكم): جمعه رمضانات ورماضين وأرمضة وأرمض، عن بعض أهل اللغة، وليس يثبت. وفي (الصحاح): يجمع على أرمضاء، وفي (العلم المشهور) لأبي الخطاب، ويجمع أيضا على: رماض، وهو القياس، وأراميض ورماض.

                                                                                                                                                                                  قوله: " أو شهر رمضان" الشهر عدد، وجمعه: أشهر وشهور، ذكره في (الموعب) وفي (المحكم): الشهر القمر، سمي بذلك لشهرته وظهوره، وسمي الشهر بذلك؛ لأنه يشهر بالقمر، وفيه علامة ابتدائه وانتهائه، ويقال: شهر وشهر، والتسكين أكثر.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية