الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويجوز الاستنجاء بالحجر وما يقوم مقامه ، قال أصحابنا : ويقوم مقامه كل جامد طاهر مزيل للعين وليس له حرمة ، ولا هو جزء من حيوان ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) اتفق أصحابنا على جواز الاستنجاء بالحجر وما يقوم مقامه ، وضبطوه بما ضبطه به المصنف قالوا : وسواء في ذلك الأحجار والأخشاب والخرق والخزف والآجر الذي لا سرجين فيه وما أشبه هذا . ولا يشترط اتحاد جنسه ; بل يجوز في القبل جنس وفي الدبر جنس آخر ، ويجوز أن يكون الثلاثة حجرا ، وخشبة ، وخرقة . نص عليه الشافعي واتفق الأصحاب عليه ، هذا مذهبنا . قال الشيخ أبو حامد : وبه قال العلماء كافة إلا داود فلم يجوز غير الحجر ، وكذا نقل أكثر أصحابنا عن داود ، قال القاضي أبو الطيب : هذا ليس بصحيح عن داود بل مذهبه الجواز . واحتج الأصحاب بحديث أبي هريرة قال : " { اتبعت النبي صلى الله عليه وسلم وخرج لحاجته فقال : ابغني أحجارا أستنفض بها ، أو نحوه ولا تأتني بعظم ولا روث } " رواه البخاري ، وبقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة الآخر : " { ليستنج بثلاثة أحجار ، ونهى عن الروث والرمة } " . قال أصحابنا : فنهيه صلى الله عليه وسلم عن الروث والعظم دليل على أن غير الحجر يقوم مقامه وإلا لم يكن لتخصيصها بالنهي معنى . وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : " { أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار ، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجده ، فأخذت روثة فأتيته بها ، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال : هذا ركس } " رواه البخاري قال أصحابنا : موضع الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم علل منع الاستنجاء بها بكونها ركسا ولم يعلل بكونها غير حجر . واحتج الأصحاب أيضا بحديث رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ ص: 131 ] { الاستنجاء بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد ، قيل فإن لم يجد ؟ قال : ثلاث حفنات من تراب } " وهذا ليس بصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال البيهقي : الصحيح أنه من كلام طاوس . وروي من حديث سراقة بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ضعيف أيضا . قال البيهقي : وأصح ما روي في هذا ما رواه يسار بن نمير قال : كان عمر رضي الله عنه إذا بال قال : ناولني شيئا أستنجي به ، فأناوله العود والحجر ، أو يأتي حائطا يتمسح به أو يمسه الأرض ، ولم يكن يغسله . وأما قوله صلى الله عليه وسلم : " { وليستنج بثلاثة أحجار } " وشبهه . فإنما نص على الأحجار لكونها غالب الموجود للمستنجي بالفضاء ، مع أنه لا مشقة فيها ولا كلفة في تحصيلها . وهذا نحو قول الله تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق } وقوله تعالى : { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم } ونظائر ذلك ، فكل هذا مما ليس له مفهوم يعمل به لخروجه على الغالب ، والله أعلم .

                                      ( فرع ) ورد الشرع باستعمال الحجر في الاستنجاء ورمي جمار الحج ، وباستعمال الماء في طهارة الحدث والنجس ، وباستعمال التراب في التيمم وغسل ولوغ الكلب ، وباستعمال القرظ في الدباغ . فأما الحجر فمتعين في الرمي دون الاستنجاء ، لأن الرمي لا يعقل معناه بخلاف الاستنجاء ، وأما الماء في الطهارة والتراب في التيمم فمتعينان ، وفي التراب في الولوغ قولان ، وفي الدباغ طريقان تقدما ، المذهب أنه لا يتعين القرظ ، والثاني : قولان كالولوغ ، والفرق أن الولوغ دخله التعبد والفرق بين الدباغ والاستنجاء أن الاستنجاء مما تعم به البلوى ويضطر كل أحد إليه في كل وقت وكل مكان ولا يمكن تأخيره ، فلو كلف نوعا معينا شق ، وتعذر في كثير من الأوقات ووقع الحرج ، وقد قال الله تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } والدباغ بخلافه في كل هذا ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية