الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 314 ] 17 - قالوا : حديث في التشبيه

        رؤية الرب

        قالوا : رويتم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : رأيت ربي في أحسن صورة ووضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثندوتي .

        قال أبو محمد : ونحن نقول : إن الله لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، يعني في الدنيا ، فإذا كان يوم القيامة رآه المؤمنون كما يرون القمر ليلة البدر .

        وقد سأله موسى - صلى الله عليه وسلم - فقال : رب أرني أنظر إليك .

        يريد أن يتعجل من الرؤية ما أجله الله تعالى له ولأمثاله من أوليائه .

        فقال : " لن تراني " ، ولذلك يقول قوم : إن نبينا - صلى الله عليه وسلم - لم يره إلا في المنام وعند تغشي الوحي له ، وإن الإسراء ليلة الإسراء كان بروحه دون جسمه ، ألا تسمع إلى قول الله - عز وجل - : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن .

        [ ص: 315 ] يعني بالرؤيا ما رآه ليلة أسري به ، فأخبر بذلك فارتد به قوم وقالوا : كيف يذهب إلى بيت المقدس ثم يصعد إلى السماء ، ثم يهبط إلى الأرض في ليلة ؟ وتوهموا أنه ادعى الإسراء بجسمه ، وكان أبو بكر - رضي الله عنه - ممن صدق بذلك وحاج فيه فسمي الصديق .

        قالوا : وقد قالت إحدى أزواجه في ليلة الإسراء : " إنا ما فقدنا جسمه " .

        وحدثنا أبو الخطاب قال : نا مالك بن سعيد قال : نا الأعمش قال : سمعت الوليد بن العيزار يذكر عن أبي الأحوص في قوله تعالى : ولقد رآه بالأفق المبين ، قال : رأى جبريل - عليه السلام - في صورته وله سبعمائة جناح .

        قالوا : ومما يدل على ذلك أيضا حديث رواه عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن مروان بن عثمان ، عن عمارة بن عامر ، عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب ، أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر أنه رأى ربه في المنام في صورة شاب موفر في خضرة على فراشه فراش من ذهب في رجليه نعلان من ذهب .

        قال أبو محمد : ونحن لم نذكر قول من تأول هذا التأويل في هذا الحديث أننا رأيناه صوابا ، وإنما ذكرناه ليعلم أن الحديث قد تأوله قوم واحتجوا له بهذين الحديثين اللذين ذكرناهما ، وكيف يكون ذلك كما تأولوا والله - جل وعز - يقول : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا الآية ؟ !

        [ ص: 316 ] وهذا لا يجوز أن يتأول فيه هذا التأويل ، ولا يدفع بمثل هذه الأحاديث ، ونحن نعوذ بالله أن نتعسف فنتأول فيما جعله الله فضيلة لمحمد ، ونحن نسلم للحديث ونحمل الكتاب على ظاهره .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية