الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وفي كيفية الاستنجاء بالحجر وجهان . قال أبو علي بن أبي هريرة : يضع حجرا مقدم صفحته اليمنى ، ويمره إلى آخرها ، ثم يدير الحجر إلى الصفحة اليسرى ، فيمره عليها إلى أن ينتهي إلى الموضع الذي بدأ منه ، ويأخذ الثاني فيمره على الصفحة اليسرى ويمره إلى آخرها ، ثم يديره إلى صفحته اليمنى فيمره عليها من أولها إلى أن ينتهي إلى الموضع الذي بدأ منه ، ويأخذ الثالث فيمره على المسربة لقوله صلى الله عليه وسلم : " { يقبل بواحد ويدبر بآخر [ ص: 123 ] ويحلق بالثالث } " وقال أبو إسحاق : يمر حجرا على الصفحة اليمنى ، وحجرا على الصفحة اليسرى ، وحجرا على المسربة ، لقوله صلى الله عليه وسلم " { أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار ، حجران للصفحتين وحجر للمسربة } " والأول أصح لأنه يمر كل حجر على المواضع الثلاثة ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) أما الحديث الأول فضعيف منكر لا أصل له وينكر على المصنف قوله فيه : " لقوله صلى الله عليه وسلم " فعبر عنه بصيغة الجزم مع أنه حديث منكر . أما الثاني فحديث حسن ، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال : { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاستطابة فقال أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار ، حجرين للصفحتين ، وحجرا للمسربة } " رواه الدارقطني والبيهقي وقالا : إسناده حسن . وأما قول الرافعي : الحديثان ثابتان ; فغلط منه في الحديث الأول ، ووقع في الحديث حجرين وحجرا بالنصب . وفي المهذب حجران وحجر بالرفع ، وكلاهما صحيح ، فالأول على البدل من " ثلاثة " والثاني على الابتداء . وقد جاء القرآن بالوجهين ، فالبدل في مواضع كثيرة كقوله تعالى { إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم } وابتداء قوله تعالى { قد كان لكم آية في فئتين التقتا ، فئة تقاتل في سبيل الله } وقوله : " ويحلق " هو بضم الياء وكسر اللام المشددة ، أي يديره كالحلقة ، والمسربة هنا مجرى الغائط وهي بضم الراء ، وقيل : يجوز فتحها ، وللمسربة معنى آخر في اللغة وهي الشعر المستدق من السرة إلى العانة ، وجاء ذكرها في الحديث وليست مرادة هنا .

                                      ( وأما حكم المسألة ) ففي كيفية الاستنجاء ثلاثة أوجه : أحدها : يمر حجرا من مقدم الصفحة اليمنى ويديره عليها ثم على اليسرى حتى يصل الموضع الذي بدأ منه ، ثم يمر الحجر الثاني من أول الصفحة [ ص: 124 ] اليسرى إلى آخرها . ثم على اليمنى حتى يصل موضع ابتدائه ، ثم يمر بالثالث على المسربة ، وهذا قول ابن أبي هريرة . الثاني : أن يمسح بحجر الصفحة اليمنى وحدها ، ثم بحجر اليسرى وحدها ، وبالثالث المسربة . وهذا قول أبي إسحاق المروزي . والثالث : يضع حجرا على مقدم المسربة ويمره إلى آخرها ، ثم حجرا على مؤخرة المسربة ويمره إلى أولها ، ثم يحلق بالثالث ، حكاه البغوي وهو غريب . واتفق الأصحاب على أن الصحيح هو الوجه الأول ; لأنه يعم المحل بكل حجر . ونقل القاضي أبو الطيب وصاحبا الشامل والتتمة عن الأصحاب أنهم غلطوا أبا إسحاق المروزي في الوجه الثاني . ونقل القاضي حسين في تعليقه : أن الشافعي نص في الكبير على قول أبي إسحاق لكن الأصحاب تأولوه ، وعلى هذا الجواب عن الحديث الذي احتج به أن قوله صلى الله عليه وسلم حجرين للصفحتين معناه كل حجر للصفحتين . ثم اختلفوا في هذا الخلاف . فالصحيح أنه خلاف في الأفضل وأن الجميع جائز . وبهذا قطع العراقيون والبغوي وآخرون من الخراسانيين ، وحكاه الرافعي عن معظم الأصحاب وحكى الخراسانيون وجها أنه خلاف في الوجوب ، فصاحب الوجه الأول لا يجيز الكيفية الثانية وصاحب الثاني لا يجيز الأولى ، وهذا قول الشيخ أبي محمد الجويني ، وقال الغزالي في درسه : ينبغي أن يقال من قال بالأول لا يجيز الثاني ، ومن قال بالثاني لا يجيز الأول . قال المتولي : فإن احتاج إلى استعمال حجر رابع وخامس فصفة استعماله كصفة الثالث لأنا أمرناه في الثالث بمسح الجميع لأن عين النجاسة زالت بالحجرين الأولين ; وليس في المحل إلا أثر فلا يخشى انبساطه .



                                      ( فرع ) قال أصحابنا الخراسانيون : ينبغي أن يضع الحجر على موضع طاهر بقرب النجاسة ، ولا يضعه على نفس النجاسة ; لأنه إذا وضعه عليها أبقى شيئا منها ونشرها ; وحينئذ يتعين الماء ، ثم إذا انتهى إلى النجاسة أدار الحجر قليلا قليلا حتى يرفع كل جزء من الحجر جزءا من النجاسة ، فلو أمر الحجر من غير إدارة ونقل النجاسة من موضع إلى موضع تعين الماء ، وإن [ ص: 125 ] أمر ولم ينقل فهل يجزئه ؟ فيه وجهان الصحيح يجزئه . هكذا ذكره إمام الحرمين والغزالي والرافعي وغيرهم ولم يشترط العراقيون شيئا من ذلك وهو الصحيح ; فإن اشتراط ذلك تضييق للرخصة غير ممكن إلا في نادر من الناس مع عسر شديد . وليس لهذا الاشتراط أصل في السنة ; والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية