الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 516 ] 84

ثم دخلت سنة أربع وثمانين

ذكر قتل ابن القرية

وفيها قتل الحجاج أيوب بن القرية ، وكان مع ابن الأشعث بدير الجماجم ، فلما هزم ابن الأشعث التحق أيوب بحوشب بن يزيد عامل الحجاج على الكوفة ، فاستحضره الحجاج ، فقال له : أقلني عثرتي ، واسقني ريقي ، فإنه ليس جواد إلا له كبوة ، ولا شجاع إلا له هبوة ، ولا صارم إلا له نبوة . فقال الحجاج : كلا ، والله لأزيرنك جهنم . قال : فأرحني فإني أجد حرها ! فأمر به فضربت عنقه . فلما رآه قتيلا قال : لو تركناه حتى نسمع من كلامه .

ذكر فتح قلعة نيزك بباذغيس

في هذه السنة فتح يزيد بن المهلب قلعة نيزك ، وكان يزيد قد وضع على نيزك العيون ، فلما بلغه خروج نيزك عنها سار إليها فحاصرها ، فملكها وما فيها من الأموال والذخائر ، وكانت من أحصن القلاع وأمنعها ، وكان نيزك إذا رآها سجد لها تعظيما لها ، وقال كعب بن معدان الأشقري يذكرها :

وباذغيس التي من حل ذروتها عز الملوك فإن شاء جار أو ظلما     منيعة لم يكدها قبله ملك
إلا إذا واجهت جيشا له وجما     تخال نيرانها من بعد منظرها
بعض النجوم إذا ما ليلها عتما



[ ص: 517 ] وهي أبيات عدة ، وقال أيضا يذكر يزيد وفتحها :

نفى نيزكا عن باذغيس ونيزك     بمنزلة أعيا الملوك اغتصابها
محلقة دون السماء كأنها     غمامة صيف زال عنها سحابها
ولا تبلغ الأروى شماريخها     العلى ولا الطير إلا نسرها وعقابها
وما خوفت بالذئب ولدان أهلها     ولا نبحت إلا النجوم كلابها



في أبيات غيرها .

فلما فتحها كتب إلى الحجاج بالفتح ، وكان يكتب له يحيى بن يعمر العدواني حليف هذيل : إنا لحقنا العدو فمنحنا الله أكتافهم ، فقتلنا طائفة وأسرنا طائفة ، ولحقت طائفة برءوس الجبال وعراعر الأودية ، فأهضام الغيطان ، وأثناء الأنهار . فقال الحجاج : من يكتب ليزيد ؟ فقيل : يحيى بن يعمر . فكتب إليه بحمله على البريد . فقدم إليه أفصح الناس . فقال : أين ولدت ؟ قال : بالأهواز . [ قال ] : فهذه الفصاحة من أين ؟ قال : حفظت من كلام أبي ، وكان فصيحا . قال : أخبرني ، هل يلحن عنبسة بن سعيد ؟ قال : نعم ، كثيرا . قال : ففلان ؟ قال : نعم . قال : فأخبرني هل ألحن ؟ قال : نعم تلحن لحنا خفيا ، تزيد حرفا ، وتنقص حرفا ، وتجعل أن في موضع إن ، وإن في موضع أن . قال : قد أجلتك ثلاثا ، فإن وجدتك بأرض العراق قتلتك . فرجع إلى خراسان .

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة غزا عبد الله بن عبد الملك الروم ففتح المصيصة وبنى حصنها ، ووضع بها ثلاثمائة مقاتل من ذوي البأس ، ولم يكن المسلمون سكنوها قبل ذلك ، وبنى مسجدها .

[ ص: 518 ] وحج بالناس هذه السنة هشام بن إسماعيل .

وكان العمال من تقدم ذكرهم .

وفيها غزا محمد بن مروان أرمينية .

[ الوفيات ]

وفيها مات عبد الله بن الحارث بن نوفل الملقب بببة بعمان ، وكان يسكن البصرة ، وكان مولده على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية