الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 241 ] كتاب الدعاوى والبينات

                                                                                                                                            الدعوى في اللغة : إضافة الإنسان إلى نفسه شيئا ، ملكا ، أو استحقاقا ، أو صفقة ، أو نحو ذلك . وهي في الشرع : إضافته إلى نفسه استحقاق شيء في يد غيره ، أو في ذمته . والمدعى عليه ، من يضاف إليه استحقاق شيء عليه . وقال ابن عقيل : الدعوى الطلب ، قال الله تعالى : { ولهم ما يدعون } . وقيل : المدعي من يلتمس بقوله أخذ شيء من يد غيره ، أو إثبات حق في ذمته . والمدعى عليه من ينكر ذلك . وقيل : المدعي من إذا ترك لم يسكت ، والمدعى عليه من إذا ترك سكت . وقد يكون كل واحد منهما مدعيا ومدعى عليه ; بأن يختلفا في العقد ، فيدعي كل واحد منهما أن الثمن غير الذي ذكره صاحبه .

                                                                                                                                            والأصل في الدعوى قول النبي صلى الله عليه وسلم { : لو أعطي الناس بدعواهم ، لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ، ولكن اليمين على المدعى عليه } رواه مسلم . وفي حديث : { البينة على المدعي ، واليمين على المدعى عليه } . ولا تصح الدعوى إلا من جائز التصرف . ( 8496 ) مسألة ; قال أبو القاسم ، رحمه الله : ( ومن ادعى زوجية امرأة ، فأنكرته ، ولم تكن له بينة ، فرق بينهما ، ولم يحلف ) وجملته أن النكاح لا يستحلف فيه ، رواية واحدة . ذكره القاضي .

                                                                                                                                            وهو قول أبي حنيفة . ويتخرج أن يستحلف في كل حق لآدمي . وهو قول الشافعي وابن المنذر ونحوه قول أبي يوسف ومحمد ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { ولكن اليمين على المدعى عليه } . ولأنه حق لآدمي ، فيستحلف فيه ، كالمال ، ثم اختلفوا ، فقال أبو يوسف ومحمد : يستحلف في النكاح ، فإن نكل ، ألزم النكاح . وقال الشافعي : إن نكل ، ردت اليمين على الزوج فحلف ، وثبت النكاح . ولنا ، أن هذا مما لا يحل بذله ، فلم يستحلف فيه ، كالحد . يحقق هذا أن الأبضاع مما يحتاط فيها ، فلا تباح بالنكول ، ولا به وبيمين المدعي ، كالحدود ، وذلك لأن النكول ليس بحجة قوية ، إنما هو سكوت مجرد يحتمل أن يكون لخوفه من اليمين ، أو للجهل بحقيقة الحال ، أو للحياء من الحلف والتبذل في مجلس الحاكم ، ومع هذه الاحتمالات ، لا ينبغي أن يقضى به فيما يحتاط له ، ويمين المدعي إنما هي قول نفسه ، لا ينبغي أن يعطى بها أمرا فيه خطر عظيم ، وإثم كبير ، ويمكن من وطء امرأة يحتمل أن تكون أجنبية منه .

                                                                                                                                            وأما الحديث فإنما تناول الأموال والدماء ، فلا يدخل النكاح فيه ، ولو دخل فيه كل دعوى ، لكان مخصوصا بالحدود ، والنكاح في معناه ، بل النكاح أولى ، لأنه لا يكاد يخلو من شهود ، لكون الشهادة شرطا في انعقاده ، أو من اشتهاره ، فيشهد فيه بالاستفاضة ، والحدود بخلاف ذلك . إذا ثبت هذا ، فإنه يفرق بينهما ، ويحال بينه وبينها ويخلى سبيلها . وإن قلنا : إنها تحلف على الاحتمال الآخر . فنكلت ، لم يقض بالنكول ، وتحبس ، في أحد الوجهين ، حتى [ ص: 242 ] تقر أو تحلف ، وفي الآخر ، يخلى سبيلها ، وتكون فائدة شرع اليمين التخويف والردع ، لتقر إن كان المدعي محقا ، أو تحلف ، فتبرأ إن كان مبطلا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية