الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( والمستحب أن لا يستنجي بالماء في موضع قضاء الحاجة لما روي عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يتوضأ فيه ، فإن عامة الوسواس منه } " ) .

                                      [ ص: 108 ]

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذا الحديث حسن رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم بإسناد حسن ، وروى حميد بن عبد الرحمن الحميري عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة رضي الله عنه قال " { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله } " رواه أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي وإسناده صحيح . قال الخطابي : المستحم المغتسل سمي مستحما مشتقا من الحميم وهو الماء الحار الذي يغتسل به . وعبد الله بن مغفل ، بغين معجمة مفتوحة ثم فاء مشددة مفتوحة كنيته أبو سعيد ، وقيل أبو عبد الرحمن ، وقيل أبو زياد وهو ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة بيعة الرضوان توفي سنة ستين رضي الله عنه . واتفق أصحابنا على أن المستحب أن لا يستنجي بالماء في موضع قضاء الحاجة لئلا يترشش عليه وهذا في غير الأخلية المتخذة لذلك . أما المتخذ لذلك كالمرحاض فلا بأس فيه لأنه لا يترشش عليه ولأن في الخروج منه إلى غيره مشقة ، وقول المصنف والأصحاب : لا يستنجي بالماء في موضعه ، احتراز من الاستنجاء بالأحجار . فإن شرطه أن لا ينتقل عن موضعه كما سنوضحه إن شاء الله تعالى



                                      [ ص: 108 ] فرع ) في مسائل تتعلق بآداب قضاء الحاجة ( إحداها ) قال أصحابنا لا بأس بالبول في إناء لما روت عائشة رضي الله عنها قالت " { يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي رضي الله عنه لقد دعا بالطست يبول فيها فانخنس فمات ، وما أشعر به } " هذا حديث صحيح رواه النسائي وابن ماجه والبيهقي في سننهم ، والترمذي في كتاب الشمائل هكذا ، ورواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بمعناه ، قالا : قالت فدعا بالطست ، ولم تقل ليبول فيها وهو محمول على الرواية الصحيحة الصريحة في البول ، والطست بالسين المهملة وهي أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها قالت " { كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يبول فيه ويضعه تحت السرير } " رواه أبو داود والنسائي والبيهقي ولم يضعفوه وأميمة ورقيقة ، بضم أولهما ، ورقيقة بقافين . وقولها : من عيدان هو - بفتح العين المهملة - وهي النخل الطوال المتجردة الواحدة عيدانة .



                                      الثانية : يحرم البول في المسجد في غير إناء ، وأما في الإناء ففيه احتمالان لابن الصباغ ذكرهما في باب الاعتكاف . أحدهما : الجواز كالفصد والحجامة في إناء . والثاني : التحريم لأن البول مستقبح فنزه المسجد منه ، وهذا الثاني هو الذي اختاره الشاشي وغيره ، وهو الأصح المختار وجزم به صاحب التتمة في باب الاعتكاف ، ونقله العبدري في باب الاعتكاف عن الأكثرين .



                                      الثالثة : يحرم البول على القبر ويكره البول بقربه . الرابعة : قال أصحابنا : يكره البول في الماء الراكد قليلا كان أو كثيرا لحديث جابر رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الماء الراكد } " رواه مسلم . وفي الصحيحين نحوه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه . [ ص: 109 ] وأما الجاري فإن كان قليلا كره ، وإن كان كثيرا لا يكره ، هكذا قاله جماعة من أصحابنا وفيه نظر ، وينبغي أن يحرم البول في القليل مطلقا لأنه ينجسه ويتلفه على نفسه وعلى غيره ، وأما الكثير الجاري فلا يحرم لكن الأولى اجتنابه ، ومما ينهى عنه التغوط بقرب الماء ، صرح به الشيخ نصر في الانتخاب ، والكافي وهو واضح داخل في عموم النهي عن البول في الموارد .



                                      الخامسة : قال أصحابنا : يكره استقبال الريح بالبول لئلا يرده عليه فيتنجس بل يستدبرها ، هذا هو المعتمد في كراهته ، وأما الحديث المروي عن أبي هريرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره البول في الهواء } فضعيف بل قال الحافظ أبو أحمد بن عدي : إنه موضوع ، وجاء عن حسان بن عطية التابعي قال : يكره للرجل أن يبول في هواء وأن يتغوط على رأس جبل .



                                      السادسة : قال أصحابنا يستحب أن يهيئ أحجار الاستنجاء قبل جلوسه ، لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " { إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار } " حديث حسن رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني وغيرهم . قال الدارقطني : إسناده حسن صحيح . فهذا هو المعتمد ، وأما ما احتج به جماعة من أصحابنا من حديث " { اتقوا الملاعن وأعدوا النبل } " فليس بثابت فلا يحتج به ، والنبل - بضم النون وفتح الباء الموحدة - الأحجار الصغار .



                                      السابعة : لا يجوز أن يبول على ما منع الاستنجاء به لحرمته كالعظم ، وسائر المطعومات .



                                      الثامنة : قال إمام الحرمين والغزالي والبغوي وآخرون : يستحب أن لا يدخل الخلاء مكشوف الرأس ، قال بعض أصحابنا فإن لم يجد شيئا وضع كمه على رأسه ، ويستحب أن لا يدخل الخلاء حافيا ، ذكره جماعة منهم أبو العباس بن سريج في كتاب الأقسام . وروى البيهقي بإسناده حديثا مرسلا ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء لبس حذاءه وغطى رأسه } " وروى البيهقي أيضا عن [ ص: 110 ] عائشة " { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء غطى رأسه وإذا أتى أهله غطى رأسه } " لكنه ضعيف ، قال البيهقي : وروي في تغطية الرأس عند دخول الخلاء عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو صحيح عنه ، قلت : وقد اتفق العلماء على أن الحديث المرسل والضعيف والموقوف يتسامح به في فضائل الأعمال ويعمل بمقتضاه وهذا منها .



                                      التاسعة : قال صاحب البيان وغيره : يستحب لمن هو على قضاء الحاجة أن لا ينظر إلى فرجه ولا إلى ما خرج منه ولا إلى السماء ولا يعبث بيده . العاشرة : قال المصنف في التنبيه وكثيرون من أصحابنا يستحب أن لا يستقبل الشمس ولا القمر ، واستأنسوا فيه بحديث ضعيف ، وهو مخالف لاستقبال القبلة في أربعة أشياء . أحدها : أن دليل القبلة صحيح مشهور ، ودليل هذا ضعيف بل باطل ، ولهذا لم يذكره المصنف ، ولا كثيرون ولا الشافعي ، وهذا هو المختار ; لأن الحكم بالاستحباب يحتاج إلى دليل ، ولا دليل في المسألة . الثاني : يفرق في القبلة بين الصحراء والبناء كما سبق ، ولا فرق هنا ، صرح به المحاملي وآخرون . الثالث : النهي في القبلة للتحريم وهنا للتنزيه . الرابع : أنه في القبلة يستوي الاستقبال والاستدبار ، وهنا لا بأس بالاستدبار وإنما كرهوا الاستقبال ، هذا هو الصحيح المشهور ; وبه قطع المصنف في التنبيه والجمهور وقال الصيمري وأبو العباس الجرجاني في كتابه الشافي : يكره الاستدبار أيضا والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية