الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الصلاة على الدابة في الطين والمطر

                                                                                                          411 حدثنا يحيى بن موسى حدثنا شبابة بن سوار حدثنا عمر بن الرماح البلخي عن كثير بن زياد عن عمرو بن عثمان بن يعلى بن مرة عن أبيه عن جده أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير فانتهوا إلى مضيق وحضرت الصلاة فمطروا السماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته وأقام أو أقام فتقدم على راحلته فصلى بهم يومئ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع قال أبو عيسى هذا حديث غريب تفرد به عمر بن الرماح البلخي لا يعرف إلا من حديثه وقد روى عنه غير واحد من أهل العلم وكذلك روي عن أنس بن مالك أنه صلى في ماء وطين على دابته والعمل على هذا عند أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحق

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا عمر بن الرماح ) بفتح الراء وتشديد الميم هو عمر بن ميمون ، قال في التقريب : عمر بن ميمون بن بحر بن سعد الرماح البلخي أبو علي القاضي وسعد هو الرماح ثقة عمي في أخرة ( عن عمرو بن عثمان بن يعلى بن مرة ) قال الحافظ في التقريب : مستور ، وقال الخزرجي في الخلاصة : وثقه ابن حبان ( عن أبيه ) أي عثمان بن يعلى ، قال الحافظ في التقريب : [ ص: 380 ] مجهول ( عن جده ) أي يعلى بن مرة وهو صحابي شهد الحديبية وما بعدها .

                                                                                                          قوله : ( إلى مضيق ) أي إلى موضع ضيق ( فمطروا ) بصيغة المجهول ( السماء من فوقهم ) السماء مبتدأ ، ومن فوقهم خبره ، والجملة حال بلا واو ، والمراد من السماء هاهنا المطر ، قال الشاعر :


                                                                                                          إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا

                                                                                                          قال الجوهري : يقال ما زلنا نطأ في السماء حتى أتيناكم ( والبلة ) بكسر الموحدة وتشديد اللام أي النداوة ( فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) من التأذين ، قال السيوطي في قوت المغتذي : استدل بهذا الحديث النووي وغيره على أنه صلى الله عليه وسلم يباشر الأذان بنفسه ، وعلى استحباب الجمع بين الأذان والإمامة ذكره في شرح المهذب مبسوطا وفي الروضة مختصرا ، ووردت رواية أخرى صريحة بذلك في سنن سعيد بن منصور . ومن قال إنه صلى الله عليه وسلم لم يباشر هذه العبادة بنفسه وألغز في ذلك بقوله ما سنة أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها فقد غفل ، وقد بسطت المسألة في شرح الموطأ وفي حواشي الروضة ، انتهى كلام السيوطي في قوت المغتذي .

                                                                                                          وقال القاري في المرقاة : جزم النووي بأنه صلى الله عليه وسلم أذن مرة في السفر واستدل له بخبر الترمذي ، ورد بأن أحمد أخرجه في مسنده من طريق الترمذي فأمر بلالا فأذن ، وبه يعلم اختصار رواية الترمذي ، وأن معنى أذن فيها أمر بلالا بالأذان كبنى الأمير المدينة ، ورواه الدارقطني أيضا بلفظ : فأمر بلالا فأذن ، قال السهيلي : والمفصل يقضي على المجمل ، انتهى .

                                                                                                          وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : ومما كثر السؤال عنه : هل باشر النبي صلى الله عليه وسلم الأذان بنفسه ؟ وقد وقع عند السهيلي أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في السفر وصلى بأصحابه وهم على رواحلهم ، السماء من فوقهم والبلة من أسفلهم ، أخرجه الترمذي من طريق تدور على عمر بن الرماح يرفعه إلى أبي هريرة ا هـ . وليس هو من حديث أبي هريرة وإنما هو من حديث يعلى بن مرة . وكذا جزم النووي بأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن مرة في السفر وعزاه للترمذي وقواه ولكن وجدناه في مسند أحمد من الوجه الذي أخرجه الترمذي ولفظه : فأمر بلالا فأذن ، فعرف أن في رواية الترمذي اختصارا وأن [ ص: 381 ] معنى قوله أذن أمر بلالا به كما يقال أعطى الخليفة العالم الفلاني ألفا وإنما باشر العطاء غيره ونسب للخليفة لكونه آمرا به ، انتهى كلام الحافظ . ( فصلى بهم ) قال أبو الطيب المدني الحنفي في شرح الترمذي : يعني أمهم في تلك الصلاة ، والظاهر أنه كان فرضا ؛ لأن المتبادر من صلاة الجماعة الفرض ، وكذلك يدل عليه هذا الاهتمام والأذان ؛ لأن النوافل لم يشرع لها الأذان فدل الحديث على جواز الفرض على الدابة عند العذر ، وبه قال علماؤنا وأهل العلم كما جزم به المصنف ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث غريب إلخ ) وأخرجه النسائي والدارقطني وثبت ذلك عن أنس من فعله وصححه وحسنه التوزي وضعفه البيهقي كذا في النيل ( والعمل على هذا عند أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحاق ) ويجوز الفريضة عندهم على الدابة إذا لم يجد موضعا يؤدي فيه الفريضة نازلا ، ورواه العراقي في شرح الترمذي عن الشافعي ، وقال القاضي أبو بكر بن العربي في العارضة : حديث يعلى ضعيف السند صحيح المعنى ، قال : الصلاة بالإيماء على الدابة صحيحة إذا خاف خروج الوقت ولم يقدر على النزول لضيق الموضع أو لأنه غلبه الطين والماء ، انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية