الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق الثالث والثلاثون والمائة بين قاعدة النقل العرفي وبين قاعدة الاستعمال المتكرر في العرف )

اعلم أن الاستعمال قد يتكرر في العرف ولا يكون اللفظ منقولا ألا ترى أن لفظ الأسد قد تكرر استعماله في الرجل الشجاع ولم يصر منقولا ونعني بالمنقول هو الذي يفهم عند الإطلاق بغير قرينة صارفة له عن الحقيقة ولفظ الأسد لا ينصرف عن الحقيقة إلى المجاز الذي هو الرجل الشجاع إلا بقرينة صارفة إليه وكذلك تكرر لفظ الغزال في المرأة الجميلة ولفظ الشمس والبدر وكذلك تكرر لفظ الغيث والبحر والغمام في الرجل السخي ومع ذلك لم يصر اللفظ منقولا فظهر حينئذ أن النقل أخص من التكرر وأن التكرر لا يلزم منه النقل لأن الأعم لا يستلزم الأخص وإذا لم يصر اللفظ منقولا بمجرد التكرر لا يجوز حمل اللفظ على شيء تكرر اللفظ فيه ولم يكن اللفظ موضوعا له إلا بقرينة ولا يعتمد على مطلق التكرر وبهذا الفرق بين هاتين القاعدتين يظهر بطلان ما وقع في مذهبنا في المدونة أن من حلف لا يفعل شيئا حينا أو زمنا أو دهرا فذلك كله سنة وقال الشافعي يحمل على العرف في هذه الألفاظ .

وقال أبو حنيفة وابن حنبل ذلك ستة أشهر لقوله تعالى { تؤتي أكلها كل حين } أي في ستة أشهر وليس الأمر كما قالاه بل النخلة من ابتداء حملها إلى نهايته تسعة أشهر وحينئذ تعطي ثمرها وهو أحد الوجوه التي وقعت المشابهة فيها بين النخلة وبين بنات آدم وقد ذكر ذلك في قوله عليه السلام { أكرموا عمتكم النخلة قالوا لأنها خلقت من فضلة طينة آدم فهي عمة } بهذا المعنى وقد حصلت المشابهة بينها وبين بني آدم من أربعة عشر وجها أحدها هذا الوجه وروى ابن وهب عن مالك ترددا في الدهر هل هو سنة أم لا وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سنة لقوله تعالى { تؤتي أكلها كل حين } إشارة إلى أن الثمرة إذا حملت في وقت لا تحمل بعد ذلك إلا في ذلك الوقت وهذه الإشارات كلها إلى أصل وجود الاستعمال ولا يلزم من حصول أصل الاستعمال أن يحمل اللفظ عليه من غير قرينة صارفة ولا يلزم من استعمال اللفظ المتواطئ في بعض أفراده مرة واحدة أو مرات أن يقال له شرعي ولا عرفي بل ذلك شأن استعمال اللفظ المتواطئ ينتقل في أفراده والمنقول في اللغة أن الحين اسم لجزء ما من الزمان وإن قل فهو يصدق على القليل والكثير فالمتجه ما قاله الشافعي رضي الله عنه فقد ظهر الفرق بين قاعدة كثرة الاستعمال وقاعدة النقل وظهر بظهوره الحق في هذه المسائل لأن الكلام فيها مع عدم النية .

التالي السابق


حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق الثالث والثلاثون والمائة بين قاعدة النقل العرفي وبين قاعدة الاستعمال المتكرر في العرف )

النسبة بين المنقول العرفي والمتكرر العرفي هي العموم والخصوص المطلق لأن المنقول العرفي هو الذي يفهم عند الإطلاق بغير قرينة صارفة له عن الحقيقة والمتكرر العرفي هو ما استعمل في معناه وفي غير معناه سواء كان مع القرينة الصارفة له عن معناه أو كان بدونها فكل منقول متكرر وليس كل متكرر منقولا لصدق المتكرر بدون المنقول على الأسد في الرجل الشجاع وعلى لفظ الغزال والشمس [ ص: 108 ] والبدر في المرأة الجميلة ولفظ الغيث والبحر والغمام في الرجل السخي ونحو ذلك مما لا ينصرف عن حقيقته إلى المجاز إلا بقرينة صارفة إليه فالنقل أخص من التكرر ولا يلزم من التكرر النقل لأن الأعم لا يستلزم الأخص وإذا لم يصر اللفظ منقولا بمجرد التكرر لا يجوز حمل اللفظ على شيء تكرر اللفظ فيه ولم يكن اللفظ موضوعا له إلا بقرينة ولا يعتمد على مطلق التكرر فظهر الفرق بين هاتين القاعدتين وبه يظهر بطلان ما وقع في مذهبنا في المدونة أن من حلف لا أفعل شيئا حينا أو زمنا أو دهرا ولا نية له فذلك كله سنة وقال الشافعي يحمل على العرف في هذه الألفاظ .

وقال أبو حنيفة وابن حنبل ذلك ستة أشهر لقوله تعالى { تؤتي أكلها كل حين } أي في ستة أشهر وليس الأمر كما قالاه بل النخلة من ابتداء حملها إلى نهايته تسعة أشهر تعطي ثمرها حينئذ وهو أحد الوجوه الأربعة عشر التي وقعت المشابهة فيها بين النخلة وبين بنات آدم وقد ذكر ذلك في قوله عليه الصلاة والسلام { أكرموا عمتكم النخلة } قالوا لأنها خلقت من فضلة طينة آدم فهي عمة بهذا المعنى وروى ابن وهب عن مالك ترددا في الدهر هل هو سنة أم لا وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سنة لقوله تعالى { تؤتي أكلها كل حين } إشارة إلى أن النخلة إذا حملت بالثمرة في وقت لا تحمل بعد ذلك إلا في ذلك الوقت وهذه الإشارات كلها إلى أصل وجوه الاستعمال ولا يلزم من حصول أصل الاستعمال أن يحمل اللفظ عليه من غير قرينة صارفة والمنقول في اللغة أن الحين اسم لجزء ما من الزمان وإن قل فهو يصدق على القليل والكثير من قبيل صدق المتواطئ على أفراده ولا يلزم من استعمال اللفظ المتواطئ في بعض أفراده مرة واحدة أو مرات أن يقال له شرعي ولا عرفي بل ذلك شأن استعمال اللفظ المتواطئ ينتقل في أفراده فالمتجه ما قاله الشافعي رضي الله عنه فقد ظهر الفرق بين قاعدة كثرة الاستعمال وقاعدة النقل وظهر بظهوره الحق في هذه المسائل والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية